2024-06-20 | 23:09 مقالات

لعل الضباب ينقشع يا لندن

مشاركة الخبر      

يمكن لكرة القدم الارتباط الوثيق بأي شيء إلا شعارات العدالة.. ليس من بين أدوارها ومهماتها، وغاياتها، ومقاصدها فرض المساواة والإنصاف بين المتسابقين والمتنافسين.. أبدًا.. أبدًا.. هذا شيء خارج اختصاصاتها وخارج حساباتها وخارج أهدافها المعلنة والمعروفة والمتفق عليها.. لو كانت العدالة وظيفة كرة القدم الأساسية لما فازت تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفييتي والدنمارك واليونان بلقب كأس الأمم الأوروبية وبقيت الكرة الإنجليزية محرومة من الصعود إلى عرش المتوجين بالبطولة الأقوى في العالم.. وتاريخ الإنجليز مع هذه المستعصية مليء بالحسرة والقهر والخذلان.. كان آخرها البطولة الفائتة التي استضافتها لندن وأخواتها، وضاعت بركلات الترجيح الظالمة أمام الطليان.. لو كان لي قرار واحد في تغيير أحد قوانين كرة القدم، لما ترددت أن يكون إلغاء ضربات الحظ وشطبها لتكون نسيًا منسيًا.. الإنجليز أنفسهم يؤمنون بهذا التوجه.. كانت بطولة الكأس لديهم إلى وقت ليس بالبعيد لا تحسم مبارياتها بالترجيح.. حين يتعادل فريقان في مباراة خروج مغلوب، تعاد المواجهة في وقت آخر.. إذا استمر التعادل يحتكمان للعبة القاتلة تلك.. لدي تصور كامل لقانون يمكنه منح الفريق الأحق بالفوز بنتيجة اللقاء.. هذا أمر يطول شرحه.. الإنجليز أكثر المتضررين بين المنتخبات الكبيرة من ذهاب المباراة إلى وقت الترجيح.. في أغلب مشاركاتهم المونديالية يودعون المناسبة الدولية بالدموع بعد إهدار لاعب أو اثنين فيما يعجز حراسهم والحظ عن التدخل لإنقاذهم.. بريطانيا إمبراطورية تاريخيّة كانت تحكم نصف الأرض.. كانوا يقولون عنها الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، كناية عن تمددها على مساحات شاسعة من الكوكب الذي نعيش فوقه.. أكثر المصادر التاريخية موثوقية تؤكد أن كرة القدم من اكتشافات الإنجليز.. القانون الحالي ولد في قاعة جامعة إنجليزية.. التسلل وعدد اللاعبين وتخطيط الملعب والحكم ووقت المباراة كلها نتاج إنجليزي خالص.. الصحافة المتخصصة بكرة القدم ولدت هناك.. أول نادٍ.. أقدم مسابقة.. الملاعب التي شهدت البدايات المحترفة.. والآن الدوري الإنجليزي يرسخ تلك الأصول الثابتة.. الدوري الإنجليزي الأكثر متابعة والأكثر قوة والأكثر متعة.. هناك كل موسم تتجه الأنظار لقرابة ثمانية أندية يمكنها الترشح والتنافسية على مراكز الصدارة.. هذا لا يحدث في أي دوري حول العالم سوى في أراضي الإنجليز.. حضور جماهيري طاغٍ وصاخب ومحفز في كل مباراة.. بهذه القواعد وهذه الأدوات كان لزامًا على من مثلي أن يتمنى دومًا للمنتخب الإنجليزي النجاح والفوز والغلبة، لم أتذوق حتى الآن فرحة مشاهدة الإنجليز يحتفلون بالإنجازات.. في عام 1966 حصلوا على مونديال تاريخي ومثير، لكنني بالطبع لم أشهده ولا أعرفه إلا كما يعرف غريب عاش طوال عمره في صحراء قاحلة زرقة البحر.. إنه المنتخب الدولي الذي أترك له كل عاطفتي وحبي واحترامي..
في هذه البطولة يبدو المنتخب الإنجليزي مرشحًا بقوة من ضمن جوقة المتطلعين والمؤهلين لانتزاع اللقب القاري.. لا شيء ينقصهم.. فريق متمكن ومتكامل.. يعيبه فقط حارس مرمى لا يمكن الوثوق به على المطلق.. بالنسبة لي حارس المرمى بالذات لا يمكن أن يقسم على اثنين.. الحارس إما تثق به ثقة مطلقة وبلا حدود، أو تضع يدك على قلبك مع كل هجمة تغزو المرمى الذي لا تتمنى لشباكك أن تهتز.. في هذه البطولة وبعد أول مباراة اتضح أن هاري كين ورفاقه يمكنهم الذهاب بعيدًا جدًا.. يحتاجون فقط لحظ سعيد يصطحب الحارس المهزوز حتى النهاية..
إذا خسر الإنجليز هذه المرة فإن معرفة الأسباب ستكون في متناول اليد.. أسباب ليست جديدة.. ملقاة على الأرصفة المنسية.. هو الحظ.. هو النحس.. هو الحارس.. لعل لندن هذا الصيف تحتفل بالحياة والتاريخ والسياح.. وأيضًا بالفوز الذي قد يكون من بين الأشياء التي لا يمكن تذكرها بسهولة..!!