صنيعة ميسي ورونالدو..
إذا كنت تؤمن بفرضية الأجيال الذهبية في كرة القدم فليس هناك من سيلخص لك هذه الرؤية مثل المنتخب الإسباني الذي فعل كل شيء مع مجموعة واحدة في أربع سنوات فقط.. كان هو الجيل الذي ساند الأرجنتيني ميسي في برشلونة ليصنع الأعاجيب هناك.. في سنوات قليلة حقق المنتخب الإسباني كأس العالم 2010 وقبلها بسنتين، وبعدها بسنتين كان متزعمًا البطولة الأوروبية.. لم تلعب إسبانيا في تاريخها مع البطولة القارية الشرسة سوى أربعة نهائيات، فازت في أول مرة أمام الاتحاد السوفييتي عام 1964، وبعد عشرين عامًا بالتمام والكمال وجدت نفسها تصطدم بالفرنسيين تحت قيادة الداهية بلاتيني الذي كانت كل المؤشرات تؤكد ذهابه إلى أبعد نقطة يمكن الوصول إليها، وبالفعل كان حريًا بتلك المنافسة أن تعطي ذلك القائد الأسطوري ما يستحقه من الاحترام والتقدير والتكريم، وتمنحه الذهب ولقب الهداف ونجومية البطولة المطلقة، ولهذا كانت الخسارة مفروضة على الإسبان كما تفرض الأصابع في راحة اليد.. النهائيان الآخران كسبهما الإسبان عامي 2008، و2012.. كسبهما باستحقاق وجدارة.. كان يلعب النهائيين مرة مؤهلًا ومرشحًا لبطولة العالم، ومرة حاملًا لقب المونديال ولقب أوروبا.. كان الإسبان حينها يجنون ثمار الدوري الذي جعل منه ميسي ورونالدو قبلة الباحثين عن المعركة الثنائية الخاصة في كل موسم.. بغياب رونالدو وميسي عن الدوري الإسباني فقد الضوء والإثارة والمتابعة والاهتمام.. بات يتكئ فقط على الإرث والتركة والذكريات التي تركها ميسي ورونالدو وراء ظهريهما.. صحيح أن الدوري الإسباني ومن خلال الريال والبرشا استقطب عشرات النجوم اللامعين عبر التاريخ مثل مارادونا وزيدان وبيكهام وعشرات غيرهم، لكن مرحلة ميسي ورونالدو هي وحدها التي غيّرت قواعد اللعبة واجتذبت الأنظار والقلوب والعقول، وجعلت مباريات الدوري الإسباني حاضرة على شاشات المنازل والمقاهي والاستراحات في مشارق الأرض ومغاربها.. تلك التنافسية واحدة من أسباب عدة جعلت إسبانيا مهيأة لصناعة جيل كروي متمكن استطاع في نهاية المطاف قطف الثمرات الطازجة، والتهامها على موائد النجاحات الكبيرة.. تزعمت إسبانيا العالم وأوروبا في توقيت واحد.. وهذا عمل نادر ولم يتكرر بعد..
لا أقول إن ميسي أو رونالدو هما من جعلا من الإسبان أبطالًا.. لو قلتها لكنت ألوي عنق الحقيقة من أجل كلام لا يمكن التعاطي معه بعقلانية كاملة.. كان هناك سبب مهم ومحوري في الإنجاز الإسباني يتمثل في ولادة نجوم موهوبين في الدفاع والحراسة والوسط والهجوم.. هؤلاء المبدعين استفادوا من تأثير الاهتمام العالمي بمبارياتهم وهذا الاهتمام كان بسبب وجود الأسطورتين البرتغالية والأرجنتينية.. أضف إليهما الفائدة الفنية المباشرة التي اكتسبها اللاعبون الإسبان في البرشا والريال من الاحتكاك اليومي في التدريبات والمباريات بجوار ميسي ورونالدو.. قرأت الكثير من أحاديث لاعبين إسبانيين دوليين أسهموا في إنجازات المونديال وأوروبا عن مدى محاولتهم المشي على خطى رونالدو في الالتزام والانضباط والبرنامج الغذائي والتدريبات المكثفة.. ذاك مثلًا جعل منهم موهوبين ينقصهم فقط الطريقة التي تجعلهم أسماء يخلدها التاريخ.. وهذا ما حدث.
إسبانيا مدينة لرونالدو.. إسبانيا مدينة لميسي.. لأن ذلك المجد الذي صنعه جيلها الذهبي.. جاء بصنيعة ميسي ورونالدو.. ليست صنيعة مباشرة لأن كرة القدم ومجدها لا يأتي دائمًا بالطرق المباشرة.. هناك الكثير من الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدروب المعوجة حتى تبلغ القمة.. وهذا ما كان على الإسبان سلوكه ليكونوا أبطالًا.