فعلها زيدان..
يبصمُ زين الدين زيدان على أسطوريته في عامِ 1998، ويرمي كأسَ العالمِ في أحضانِ الفرنسيين، معيدًا، وإن بطرائقَ متباعدةٍ، ما فعله مارادونا في مونديالِ المكسيك.. أقصدُ، أن زيدان، جدَّد استحواذ لاعبٍ واحدٍ على النجوميَّةِ المُطلقةِ حتى لو كانت المناسبةُ بحجمِ كأسِ العالمِ.. فعلَ زيدان في ذاك السباقِ أقصى ما يمكنُ للاعبٍ، تلقَّى على عاتقه مهمةَ الفوزِ.. هزمَ كلَّ مَن قابله، وحينما وجدَ نفسه في النهائي، يصطدمُ بجيلٍ برازيلي فتَّاكٍ، بذل جهدًا قتاليًّا، جعل المباراةَ تتَّجه إلى الحسمِ، وفي وقتٍ مبكِّرٍ.. ذهبَ المنتخبان العملاقان إلى استراحةِ الشوطِ الأوَّلِ، وكانت الأمورُ قد حُسمت.. كان البرازيليون في حالةِ صدمةٍ ممَّا حدثَ، ويحتاجون إلى معجزةٍ من خلالِ قراءةِ واقعِ الأشياءِ حتى يعودوا إلى الأملِ.. شتَّتهم زيدان، وسيطرَ على منطقةِ المناورةِ، وتركهم يتناقلون الكرةَ دون تلك الحالةِ البرازيليَّةِ الطاغيةِ والسريعةِ في الوصولِ إلى مرمى الخصومِ.. تنتهي المباراةُ فرنسيَّةَ النتيجةِ، وزيدانيَّةَ الأداءِ، وتنتهي معها أي صورةٍ قد ترتسمُ في أذهانِ المشجِّعين باستحالةِ تركِ الوسطِ البرازيلي كالأعمى في ساحةٍ مفتوحةٍ، يتخبَّط بلا معينٍ.
بعد عامين، يجدُ زيدان وكتيبةُ الديوكِ البطلةِ أنفسهم في تحدٍّ أصعبَ، واختبارٍ أقسى.. أوروبا ليست كأسَ العالمِ.. لن يجدوا مساندةً جماهيريَّةً طاغيةً كما حدث في المونديالِ الذي استضافته باريس وشقيقاتها من المدنِ الفرنسيَّة.. سيجدون في البطولةِ التي تستضافُ في دولتين للمرَّة الأولى، على الأراضي الهولنديَّةِ والبلجيكيَّةِ، تحوُّطًا وحذرًا من نظرائهم الأوروبيين بحكمِ أنهم يصلون متوشِّحين الذهبَ العالمي.. كانت مهمةً محاطةً بعشراتِ العقباتِ، والصعوباتِ، والرهاناتِ المستعصيةِ.. الطريقةُ الموندياليَّةُ التي اتَّخذها الفرنسيون سلاحًا لكسبِ اللقبِ بتنشيطِ فكرةِ اللعبِ على الأطرافِ، والدفعِ بظهيرَي الدفاعِ في مهماتٍ هجوميَّةٍ متواصلةٍ، ومنحِ زيدان الحريَّةَ الكاملةَ بالتنقُّلِ عبر مكانه المفضِّلِ خلف الهجومِ، استُنسخَ كما هو في بطولةِ أوروبا.. كان في هذه البطولةِ منتخبٌ وحيدٌ فقط، كان يتزوَّد بالترشيحاتِ بعد كلِّ مباراةٍ، منافسًا الفرنسيين بقوَّةٍ في هذا الاتجاه.. البرتغال بقيادةِ شابٍّ مندفعٍ، يدعى نونو، كان الأفضلَ، والأمتعَ، والأحقَّ بالقمَّةِ.. يلتقي الضدان الكبيران في دورِ الأربعةِ.. معركةٌ عُدَّت النهائي الحقيقي.. الفائزُ سينتصرُ ويخطفُ الكأسَ بغضَّ النظرِ عن هويَّةِ الطرفِ الآخرِ في النهائي.. تتبادلُ الفرقتان المدجَّجتان بأساليبِ الهجومِ المفتوحِ الغزواتِ، وفي النهايةِ تحسمُ خبرةُ زيدان وهنري الموقعةَ، وتودِّعُ أوروبا قصَّةً حالمةً اسمها نونو، كان ذنبها الوحيدُ أنها وجدت زيدان في كاملِ حضوره الذهبي والذهبي والتاريخي.
جاء النهائي، وفازت فرنسا على الطليانِ.. لم يكن زيدان المونديالِ، والحقُّ يقالُ، هو زيدان أوروبا.. انتصرَ بشيءٍ من سحره الحلالِ، واستعادَ ذاكرةَ بلاتيني في أوروبا، واستعادَ ذاكرةَ مارادونا في المونديالِ.. ذاك شيءٌ، يشبه المستحيلاتِ السبعةِ.. زيدان زادها واحدًا، واعتلى عرشَ أوروبا..!!