رونالدو.. الكلام والحلم والإرادة
كرة القدم لعبة الناس.. لعبة الحياة.. لعبة التحديات والمناكفات، وأيضًا تصفية الحسابات.. لعبة تمنح نجومها الشهرة والثراء والحياة الهانئة الكريمة، لكنها لا ترتدي أثوابًا مخملية ولا تضع فوق رأسها تاجًا مرصعًا بالياقوت والمرجان والأحجار الكريمة.. يمكن لصبي مراهق في قرية إفريقية انتقاد فلسفة الاستحواذ التي ينتهجها المدرب الإسباني جوارديولا مع مانشستر سيتي، ويمكن لكلمنجي لم يحظَ بفرص تعليمية كافية مهاجمة الطريقة التي يدير فيها الرئيس الأسطوري بيريز ناديه الملكي ريال مدريد.. ولهذا أخذت اللعبة شرعنتها الكاملة، لتكون كما يقال عنها لعبة شعبية.. لعبة يمكن لكل من يتابعها ويعشقها الخوض في كل تفاصيلها.. أقول هذا الكلام وأنا أتابع كل ذلك الكلام المتطاير حول الأسطورة البرتغالية كريستيانو رونالدو وحضوره في البطولة الأوروبية التي تُخاض منافساتها هذه الأيام فوق الأراضي الألمانية.. هناك أصوات ترفض مواصلته اللعب الدولي.. هناك أصوات ربما تهاجمه لتحصل على شيء من ضوء ضائع.. هناك أصوات تريد ممارسة حقها في التماشي مع شعبوية اللعبة نفسها فلا أحد لديه حصانة من تلقي سهام الانتقادات.. هي الأصوات التي يتقاذفها الريح في كل اتجاه، ولكل صوت منها أهدافه وغاياته ومآربه..
مدرب البرتغال نفسه وقبل انطلاق البطولة تحدث بإسهاب طويل في مؤتمر صحافي مشهود عن حاجته لوجود لاعب بقيمة كريس وأهميته وتأثيره على المجموعة والمنتخب واللاعبين.. قبل سنوات خسرت الأرجنتين كأس كوبا، وحينها أعلن ليو ميسي التوقف والاعتزال الدولي، تعالت المطالبات في بلاده عن ضرورة استمراره وقيمته داخل الملعب وخارجه.. عاد وأكمل طريقه وسجل مع بلاده بطولات سيدونها التاريخ.. رونالدو يملك ذات القيمة أو تزيد.. التعلق الجماهيري الصاخب بهذا اللاعب يؤيد كل كلمة قالها مدرب البرتغال قبل انطلاق البطولة.. هناك بالطبع مناكفات شاردة بسبب ارتداء رونالدو قميص النصر السعودي.. هذه مناكفات لا علاقة لها بأي قضية متعقلة.. هي من بين جوقة تصفية الحسابات التي لا يمكن إطالة النظر إليها.. رونالدو يسجل نفسه بجهده وعطائه وتاريخه وإنجازاته كواحد من أهم لاعبي كرة القدم عبر مشوارها الممتد لما يزيد عن المئة عام، ولهذا يمكن أخذه نموذجًا حيًا لأي تصور يصلح البناء حوله وعليه في تقاسيم اللعبة الطربية الغنّاءة.. لا وقت أعمق من هذا لتستقي كرة القدم نفسها من تداعيات ما يقال عن رونالدو في كل التفاصيل الصغيرة التي تحيط به مع أي حادثة وفي أي لقاء.. مازال الجدل متواصلًا عن إهداره الجزائية الأخيرة.. عن بكائه.. عن اعتذاره.. عن تجمهر اللاعبين حوله بعد المباراة..
قدر رونالدو أن يبقى في وجه العاصفة.. في المنعطف الأخير تبدو العواصف أشد عليه من وقع الرماح الجارحة.. واقفًا في جفن الردى كما قال المتنبي..
وفي البطولة الأوروبية تتطابق على حاله وأحواله ما قاله بطل الملاكمة الأسطوري محمد علي كلاي: «الأبطال لا يُصنعون في صالات التدريب.. الأبطال يُصنعون من أشياء عميقة في داخلهم.. هي الإرادة والحلم والرؤية».. وكم إرادة، وكم حلمًا، وكم رؤيةً تسكن في أعماقك يا كريس..؟