الرياضة للرياضيين فقط..
في السنوات الأخيرة، شهد المجال الرياضي في عديدٍ من الدول، بما فيها السعودية، تقلُّد أشخاصٍ غير متخصِّصين في الرياضة مناصبَ قياديةً وإداريةً في المؤسسات الرياضية! وقد يكون لدى هؤلاء الأفراد خبراتٌ إداريةٌ، أو ماليةٌ، أو قانونيةٌ، لكنْ غياب خلفيتهم الرياضية، يسبِّب تحدياتٍ كبيرةً، ويؤثِّر سلبًا في جودة الأداء بهذا القطاع الحيوي.
الرياضة ليست مجرد صناعةٍ تقليديةٍ، يمكن إدارتها وفقًا لمعايير الشركات والمؤسسات الأخرى، بل لها خصوصياتها التي تتطلَّب فهمًا دقيقًا لطبيعة المنافسة، والعوامل النفسية والفسيولوجية التي تؤثِّر في الرياضيين، وآليات تطوير اللاعبين والأندية والمنتخبات.
عندما يتولى أشخاصٌ غير رياضيين مناصبَ قياديةً غالبًا ما تكون قراراتهم سطحيةً، لأنها مبنيةٌ على نظرياتٍ إداريةٍ عامَّةٍ دون مراعاة الفروقات الدقيقة التي تحكم المجال الرياضي، وحتى لو استعانوا بخبراتٍ رياضيةٍ، يعملون تحت إشرافهم، ستظلُّ هناك فراغاتٌ، لا ينتبه لها ولا يدرك وجودها إلا القيادي ذو الخبرة الرياضية العميقة.
إحدى أكبر المشكلات التي تنجم عن تعيين غير المتخصِّصين في الرياضة زيادة البيروقراطية، وإضعاف الكفاءات الفنية. إن لم يتم منح القرارات لأهل الخبرة في الرياضة، فسيصبح التركيز على الجوانب الإدارية والمالية بشكلٍ مُبالغٍ فيه، ما يعيق عملية التطوير الحقيقي، وهذا يؤدي إلى إحباط الكوادر الفنية المتخصِّصة الذين يجدون أنفسهم تحت إدارة أشخاصٍ، يفتقرون إلى الفهم الرياضي العميق.
عندما يدير غير الرياضيين مؤسساتٍ رياضيةً، نجد أن القرارات تصبح ردود أفعالٍ أكثر من كونها استراتيجياتٍ طويلة المدى، فبدلًا من وضع خططٍ متكاملةٍ لتطوير الفئات السنية، والاهتمام بالمواهب، وإنشاء بيئةٍ احترافيةٍ مناسبةٍ، يتم التركيز على مبادراتٍ قصيرة المدى قد تكون ذات طابعٍ استعراضي أكثر من كونها مفيدةً للرياضة.
الرياضيون أنفسهم غالبًا ما يشعرون بعدم الارتياح عند التعامل مع إداراتٍ، لا تفهم طبيعة احتياجاتهم، بل ولا يتقبَّلون تنظير أي قيادي في المجال الرياضي، وهو لم يكن يومًا من الأيام جزءًا أساسيًّا لمسيرةٍ رياضيةٍ طويلةٍ ومعتبرةٍ، سواءً كان ذلك في العقود، أو بيئة التدريب، أو حتى التعامل مع الضغوط الإعلامية والجماهيرية، كما أن الجمهور الرياضي يجد صعوبةً في الثقة بإداراتٍ، تفتقد إلى الهوية الرياضية، ما يخلق فجوةً بين الجماهير والمسؤولين.
لا شك أن الرياضة تحتاج إلى تكاملٍ بين الخبرات الرياضية والإدارية، لكنْ ينبغي أن يكون المتخصِّصون الرياضيون في مقدمة مَن يتولون المناصب القيادية، مع دعمهم بخبراتٍ إداريةٍ وفنيةٍ من مجالاتٍ أخرى عند الحاجة، أمَّا ترك المجال مفتوحًا لغير الرياضيين دون وجود رؤيةٍ واضحةٍ، فهو أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى تراجع مستوى الرياضة، وعرقلة مشروعات تطويرها على المدى الطويل، والواقع في ماضيه وحاضره ومستقبله، أثبت ويثبت وسيثبت صحة ذلك.