2025-05-13 | 22:26 مقالات

النصر وفضاء الهلال

مشاركة الخبر      

اسأل جمهور النصر عن سر تعثّر ناديهم في تحقيق البطولات محليًا وخارجيًا، تتجه الإجابات سريعًا إلى المدرب، أو الحظ، أو التحكيم، أو اللجان، وأخوات تلك حتى «السيناريوهات المعدّة سلفًا». لكن السؤال الذي لا يطرحونه بما يكفي: هل فشل النصر مجرد عارض فني؟ أم أن جذوره أعمق من المستطيل الأخضر؟

الواقع أن نادي النصر يعيش منذ سنوات حالة انفصال بين الإمكانات المادية الضخمة والطموحات الجماهيرية العالية من جهة، وبين الناتج الفعلي في أرض الملعب من جهة أخرى. وهذا الانفصال لا يمكن فهمه دون تفكيك ما يشكّل هوية النادي وتؤطر سلوك عناصره.

أولى الطبقات تكمن في الهوية الجماهيرية ذات النزعة الوجدانية. النصر ليس مجرد نادٍ رياضي لمشجعيه، بل رمز انتماء، ومرآة للمظلومية، وسردية منافسة تاريخية مع الجار، ممزوجة بسيكولوجية النفس المقهورة. هذه النظرة الوجدانية للنادي حوّلته في وعي بعض أنصاره من «مشروع تنافسي» إلى «قضية عاطفية»، الأمر الذي صعّب على الإدارة والمدرب واللاعبين العمل بهدوء في بيئة مشبعة بالتوتر والتوقعات الفورية.

ولا يمكن تجاهل أثر الإرث التاريخي، فالمقارنة المستمرة بالهلال لا تُثقل فقط النفوس، بل تُربك كذلك التخطيط. النصر لا يتقدم أحيانًا لأنه مشغول دائمًا باللحاق بجاره، لا بصناعة مساره المستقل. وهذه حالة تقليدية تريد «التمركز حول الغريم»، حيث يصبح المعيار، لا الطموح الذاتي. ربما قدر الأصفر ودوره أن يسير خلف الأزرق، فيشغله في فضائه، كي لا يكون الحيز العام مملًا بأحادية السردية الواحدة، فينفض الناس من حول ذلك الحيز، لينتقلوا لحيز آخر.

أما إداريًا، فلا تزال النزعة الفردية المتجذرة في ثقافة النادي عائقًا أمام بناء مؤسسة رياضية حديثة. الأندية لا تنهض على الكاريزما فقط، بل على التراكم المؤسسي، وهذه خاصية افتقدها النصر في فترات متقطعة. يكفي أن تعدد الرؤساء الذين مروا مقابل ثبات ابن نافل مثلًا!

أسوأ ما يمكن أن يحدث لنادٍ بحجم النصر أن يُؤنسِن فشله ويحوّله إلى جزء من شخصيته العاطفية. بعض الجماهير باتت ترى في الألم سمة نصراوية أصيلة، وتحتفي به باعتباره عنوان الوفاء، بدلًا من مواجهة بصفته خللًا يجب علاجه. هل النصر ضحية قَدَر ومؤامرة؟. يقولون ذلك، لكن الأكيد أنه ضحية ثقافة تحتاج إلى مراجعة جذرية، تستبدل التوتر بالهدوء، والشخصنة بالمأسسة، والشعارات بالعمل، والعاطفة بالعقل.