2025-05-19 | 23:21 مقالات

دردشة عن عقل الإنسان

مشاركة الخبر      

عجيب عقل الإنسان، يحمل من العجائب والغرائب ما يثير الدهشة والأسئلة، وهو على صغر حجمه، عبقري، ولكن للأسف أن عبقريته في الخير والشر. أتساءل.. لماذا أبدو في بعض الأحيان حكيمًا وفي أحيان أخرى أتصرف وكأني ولدت بالأمس؟ مع أن عقلي هو نفسه..؟! قيل إن العقل يحتاج إلى الراحة والصيانة مثل ماكينة السيارة، وهذا منطق، لأن العقل يتعب، قرأت أن النوم العميق يجدد نشاط العقل، وقرأت أن أكثر ما يتعب العقل هو التدخل فيما لا يعنيه، بل أن العقل الذي يتدخل فيما لا يعنيه عقل فاشل، يبحث عن المشاكل لصاحبه ويضيع وقته. قرأت أن تعامل العقل مع عدة أمور في وقت واحد يضعف تركيزه، تمامًا مثل رسم عدة لوحات في نفس الوقت، وأن أكثر الناجحين متخصصين، أي أنهم لا يعملون إلا على شيء واحد، لكنهم يتميزون في هذا الشيء. وبما أني الآن أرغب بتناول الكنافة، إليكم هذا المثال عن التركيز والتخصص. في الشارع القريب من البيت هناك محل لا يبيع سوى الكنافة، وآخر يبيع الكنافة وأنواع البقلاوة والمخبوزات والعصائر الطازجة، لكن النجاح الساحق للذي يبيع الكنافة فقط، نقف عنده بالطابور، منظرنا يكشف ضعف الإنسان أمام سطوة الطعم اللذيذ، كنافته شهية للدرجة التي تكسر فيها أهم ريجيم، وتتغافل عن نصائح الطبيب، لا تجد مثيلًا لطعمها حتى في قارة الكونكاكاف والأسواق الشعبية في المكسيك. المختص في الكنافة أراح عقله عندما قرر ألّا يشتته، منتج واحد ولكن متفرّد. عقل الإنسان حسب تجربتي الضعيفة المتضعضعة، لا يحب فتح الأبواب الكثيرة، لأن أداءه يضعف في حال فتحها، حتى في تجربتي الإذاعية، لاحظت أن الذي يقدم ألوانًا مختلفة من البرامج لا يتميز في لون منهم، قد يكون جيدًا في جميعهم، لكنه غير استثنائي في واحد منهم. هل سبق وذكرت لكم حكاية البرميل؟ في أحد الأيام اصطحبني أخي هاني إلى سوق شعبي في إحدى الدول الخليجية، قال إنه تعرف على بائع بهارات متميز، بهاراته تصلح لشتى أنواع الطعام، مهما اختلفت الطبخات فإن هذه البهارات تصلح لها، بل تحوّل الطباخ العادي إلى طباخ ماهر. عندما وصلنا إلى محل البهارات لم أرَ سوى برميل كبير في منتصف المحل، يغرف منه للمشترين بالوزن. لم يكن يبيع أي منتج آخر، خلطة بهارات واحدة فقط، ونجاح. عقل الإنسان يفضّل مشوار الرحلة الواحدة، وكل التعرجات والمخارج مشتتات بالنسبة له. يقول أحد الأصدقاء إنه كان كارهًا للوظيفة، وأراد أن يستقل بعمل خاص، بدأ في تجارة صغيرة، ثم وجد نفسه قد أضاف لعمله عملًا آخر لا علاقة له بتجارته الأولى، ثم أضاف شيئًا ثالثًا لا علاقة له بالأولى والثانية، كان يخسر، ولم تتحسن أحواله إلا عندما استقر على أمر واحد. بالمناسبة.. عقل الإنسان لا يختلف عن قلبه، حتى في الحب.. لا يمكن أن تجمع بين حب امرأتين في نفس الوقت، أو تعطيهما نفس القدر والاهتمام. أعلم أن هناك من سيقرأ ويقول إنه قادر.. خف علينا يا الصدر الحنون!.