|


موسكو 1980.. اللورد كو يكسب الصراع مع أوفيت

البريطانيان سيباستيان كو وستيفن «ستيف» أوفيت (أرشيفية)
نيقوسيا ـ الفرنسية 2024.07.20 | 04:44 pm

خلال نحو عقد من الزمن، تميّزت سباقات المسافات المتوسطة بصراع البريطانيين سيباستيان كو وستيفن «ستيف» أوفيت، حتى أن جمهور بلديهما انقسم في مناصرته لكل منهما، فشكّلا حالة خاصة على غرار استقطاب فرقة البيتلز وشعبية رولينج ستونز.
كما عدّ صراع العداءين من أجمل منافسات ألعاب القوى في دورة موسكو 1980، التي شهدت المقاطعة الغربية، وخاضتها بعض البعثات الأطلسية تحت جناح العلم الأولمبي، ومنها البعثة البريطانية، وذلك بقرار مستقل من لجانها الوطنية.
ولا شك أن هذا الصراع مهّد لسلسلة إنجازات كو وأوفيت طوال تلك الحقبة. وفي موسكو فاز أوفيت في سباق 800 م «1:45.40دقيقة»، وحل كو ثانيًا «1:45.85 د». وحصد الأخير ذهبية 1500 م «3:38.40 د» وجاء أوفيت ثالثًا «3:38.99 د».
كان كو في الـ 24، وأوفيت في الـ 25، وعمومًا عدّ تقدّم أوفيت في 800 م مفاجأة، ويذكر كو أنه ركض للفوز: «أعتقد أني بذلت قصارى جهدي، لم أفلح وأعاقني الهواء. حاولت الالتصاق خلفه أوفيت لئلا تتسع المسافة بيننا، لكن في الـ100 م الأخيرة وجدت نفسي بعيدًا جدًا، ارتكبت خطأ، خاصة عندما ضاعف السوفياتي نيكولاي كريلوف ـ حل ثالثًا ـ الخطى».
ويضيف كو: «لم يكن هذا يومي. حصل تدافع وهذا ما أمقته، لذا لا أحبّ الجري ضمن القافلة، أفضّل أن أكون على سجيتي. لكن ببساطة كان هناك عداء أقوى وفاز وعلينا تهنئته».
عمومًا، تحاشى كو لفظ اسم أوفيت، وحتى الإشارة إلى من هو أفضل عداء بريطاني للمسافات المتوسطة، وعلى منصة التتويج صافحه من دون أن ينظر إليه.
في المقابل، كان لدى أوفيت بعض الشكوك من تمكّنه من الفوز في سباق 800 م، غير أن تدريباته الأخيرة على السرعة أعادت الثقة إلى نفسه، وكانت تلك أفضلية نفسية على كو، فهو لن يخسر شيئًا لأن الأضواء ستُسلّط على حامل الرقم القياسي.
وفي غضون أيام قليلة، تمكّن كو من معالجة ثغرات خسارته تفاديًا لهزيمة ثانية في سباق 1500 م، وقد عرف كيف يقاتل لكسب الرهان، وعلى الرغم من ذلك، وصف على خط النهاية سباق 800 م بـ«الكابوس الذي أردت الفوز فيه، ولو خُيّرت لفضّلت ذهبية 800 م».
يتذكّر كو أيضًا كيف تحضّر للموقعة الثانية: «بعد الخسارة أصابني أرق شديد، فلم أنم جيدًا. وفي اليوم التالي حلّلت ووالدي الوضع. لقد واجهت أصعب يوم في حياتي الرياضية، وتوصّلنا إلى خلاصة مفادها أن مثل هذا اليوم لا يتكرّر مرّتين».
ومن خلال مراجعته شريط السباق، اتضح لكو أن «سرعته لم تكن بالشكل المطلوب، كان يجب أن أجاريه في الـ200 م الأخيرة، وألا أكون مشدودًا قبلها، وأن أتقدّم القافلة عند الخط المستقيم، وهذا ما صحّحته في الـ1500 م، ركضت بثقة وكانت عضلاتي مسترخية، والسرعة التي فرضها الألماني عامل ثمين ساعدني، تفاديت التدافع والاصطدامات، شعرت براحة وبقدرتي على أخذ الأمور على عاتقي في المنعطف الأخير، كانت الأمتار الـ10 الأخيرة مضنية لأني بذلت أقصى ما يمكنني، صمّمت أن أموت وألاّ أتخلى عن المركز الأول».
وفي موسكو رفرف العلم الأولمبي عند تتويج كو نظرًا لمقاطعة بلاده الألعاب، وحضور اللجنة الأولمبية الوطنية على مسؤوليتها، وردّ كو على أسئلة الصحافيين حول هذه المسألة بقوله: «أحبّ طبعًا أن يرفرف علم بلادي، وأن استمع إلى نشيدها، لكن أقدّر خيار اللجنة الأولمبية البريطانية، وأتفهّم دوافعها، واحترم هذا الاختيار».
وعن التضحيات، التي بذلها، والصعوبات، التي واجهها للحضور إلى موسكو، والضغوط لمنع ذلك، أجاب بمواربة ذكية: «التضحيات هي أن تتمرّن يوميًا من 3 إلى 4 ساعات، لكن الفوز يمحي العناء كله، وسأكرّر ذلك لأني سأكون في ألعاب 1984».
بعد أربعة أعوام، وفّى كو بوعده واحتفظ بلقب 1500 م «3:32.54 د» أمام مواطنه ستيف كرام «3:33.40 د»، والإسباني خوسيه أباسكال «3:34.30 د»، كما حلّ ثانيًا في 800 م «1:43.64 د» خلف البرازيلي جواكيم كروز «1:43.00 د».
بعد الاعتزال، أصبح كو وأوفيت صديقين، ويوضح كو أن منافسه كان قليل الكلام، ولا يعبّر عن رأيه، ما نسج حوله شائعات وأخبارًا كثيرة عن طباعه: «لم نكن نعرف بعضنا جيدًا، كانت الصورة مشوشة».
وأساسًا، انخرط كو في سباقات المسافات المتوسطة آتيًا من سباقات الضاحية و3 آلاف م في شمال إنجلترا، ونافس أوفيت قبلها على مسافتي 200 و400 م.
اللورد كو «مواليد 1956» دخل تاريخ ألعاب القوى من باب كونه أوّل عدّاء يملك ثلاثة أرقام قياسية عالمية في وقت واحد، هي 800 م والميل و1500 م، فضلًا عن ميدالياته الأولمبية، وتلقى علومه وتربيته وفق الأساليب الأنجلو ـ ساكسونية التقليدية في كنف والده المهندس، الذي جعله يزاول سباقات العدو الريفي «الضاحية».
بعد عجزه عن الانضمام إلى المنتخب البريطاني لدورة سيول 1988، بسبب نزلة برد، أعلن كو اعتزاله، وكرّس نفسه لحياته الزوجية والعائلية في موازاة اهتمامه بالسياسة، وقد انتخب نائبًا عن حزب المحافظين في مجلس العموم البريطاني عن دائرة فالموث وكامبورن، وبعد خسارته الانتخابات في دورة 1997 عمل مستشارًا شخصيًا لوليام هيج، زعيم حزب المحافظين آنذاك، الذي أزيح عن زعامة الحزب لاحقًا.
أظهر كو براعة في إدارة أعماله، وصار العدّاء الأعلى دخلًا بين عدائي المسافات المتوسطة، ومنحته الملكة إليزابيث الثانية لقب لورد. ويعود له الفضل الأكبر في فوز لندن باستضافة الألعاب الأولمبية الصيفية للمرة الثالثة عام 2012، بعدما تولّى رئاسة لجنة الترشح وأعاد حظوظ العاصمة البريطانية من بعيد، ثم ترأس اللجنة المنظّمة للألعاب. ويتولى منصب رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى بعد خلافة السنغالي لامين دياك، الملطخ بقضايا فساد ضخمة.