2017-12-31 | 04:07 مقالات

وكان نزار قليل التهذيب!

مشاركة الخبر      

 

 

 يبدو أنّ النسيان كذبة فعلًا!. الذاكرة مكتبة، وحارسها أمين زيادة عن اللزوم!. كل ما في الأمر أنها مكتبة كبيرة، وكل حدث كتاب، كتب كبيرة وكتب صغيرة وكتب بَيْن بَيْن. المكتبة لا تمتلئ، لكن الكتب تتزاحم، فتتغيّر أماكنها، ويتبدّل الترتيب، ويمكن لحدثٍ/كتاب، أقلّ أهميّة وجمالًا، احتلال مكان كتابٍ/حدَثٍ، أطيب وأكثر بهاءً، 

 

ليس احتلال مكانه فحسب، بل تضييعه في زحام المكتبة، فلا يعود صاحب المكتبة قادرًا على العثور عليه، فيظنّ بفقدانه من المكتبة/الذاكرة. يُسمّي ذلك نسيانًا، ربما في هذا معنى جديد للنسيان: الكتاب لم يُفقَد، وما فُقِد حقًّا هو طريقة استحضاره بسهولة!.

 

ـ يمكن تحديد ثلاث طُرُق كبيرة لاستحضار حَدَث/كتاب، من مكتبة الذاكرة: حُسْن الترتيب، والصدفة، وأنْ تمتد يد حدث جديد مؤثِّر ومُرتبِط بالحدث القديم، المنسي، تسحب الكتاب كأنما هي التي وضعته في مكانه، وتقدّمه لك، على طاولتك، وربما فتحت لك صفحة ما لتقرأها، أو تبدأ منها!.

 

ـ الأمر حصل لي حرفيًّا، لحظة قرأت خبر السماح بالسينما في السعوديّة، وجه امرأة بشعر قصير وخدود ممتلئة، ظهر لي من وفي شاشة تلفزيون قديم، كنت طفلًا صغيرًا، يوم كانت "هدى المهتدي الريّس" تقدم برنامج "عالم السينما" في تلفزيون الكويت!.

 

ـ كنت أنتظر هذا البرنامج بحب ولهفة، ومنه تعلّمت كيف يمكن لي مشاهدة فيلم سينمائي بفهم أعمق، ومن يومها عرفت أنّ الفهم الأعمق يُنتج لذّةً واستمتاعًا وفرحًا مشاغبًا!.

 

ـ  وظللت أضحك ساخرًا طيلة هذا العمر، على من يظنون أنّ الفهم يصحبه التّجهّم!. وكلّما رأيت مثقفًا محفوفًا بالرزانة من كل جانب، مُثْقلًا بها، تشككت فيه!.

 

ـ  مكتبة الذاكرة سحبت كتبًا أخرى، تساقَطت فوق بعض وتناثرت: برنامج "بقايا الليل" لمنى طالب، كان أحد أهم برامج إذاعة الكويت، وكان صوت منى طالب عذبًا، وعن طريق هذا البرنامج تحديدًا، تعرفت على نزار قبّاني!.

 

ـ  وأتذكّر: كم كان نزار قليل التهذيب في أحد حوارات منى طالب معه!. خانه لطفه كثيرًا في الرّد!، سألته السمراء منى طالب عن أول دواوينه "قالت لي السمراء"، ولماذا توقّف عن الكتابة للسُّمر، أجاب: كان عندي عمى ألوان!.