القبح الجميل!
ـ المَسَرَّة شرط من شروط الجمال، لكنها ليست بالضرورة شرطًا من شروط الفن!.
ـ الجمال قد يتحقق في الطبيعة، مثلما قد يتحقق في الفن، والقرآن الكريم يحدّثنا عن بقرةٍ "تسرّ الناظرين"، لكن في الفن الإنساني، سواء كان ذلك محاكاة للطبيعة أو تعبيرًا عنها أو تحديًا لها، فإن الحزن ليس وحده القادر على الحضور، بل القبح أيضًا، ويمكن للعمل مع ذلك أن يكون فنيًّا، وأن يحظى بهذه الصفة، ما دامت شروط "الفنية" فيه متحققة، وقادرة على صناعة الأثر والتفاعل اللازمين لمتأمِّل حصيف، أو لجعل المتأمِّل حصيفًا!.
ـ جماليّة العمل الفني مشروطة بجودته، من حيث استخدام أدواته واستغلالها بسلامة هندسيّة، تثمر شكلًا مانحًا لطاقة وكاشفًا لمخبوء عاطفي وذهني يصعب كشفه إلا من خلال هذه الأدوات وبهذه الطريقة، مع شرط احتفاظ هذا المخبوء بخصوبة تأمّلات يمنحها العمل الفنّي عن قصديّة، ناتجة من نسيج العمل الفني المُنجَز، وليس من رغبة الفنان أو نواياه المُبَيَّتة سَلَفًا!.
ـ قصْدِيَّة الفنّان، وما أراد أن يصل أو أن يُوصِل إليه ليست ذات أهمية كبرى، خاصة في حال عجز العمل الفني نفسه، وعبر نسيجه الخاص، عن الكشف عنها بعيدًا عن أيّة شروحات لاحقة لنوايا سابقة!.
ـ فللعمل الفني رأيه الخاص ورؤيته المنفردة، وهي ليست بالضرورة رؤية اليد الصانعة ولا رأي المفكِّر الصانع!.
ـ يمكن للقُبح أن يكون فنيًّا، مع احتفاظه بمعاداة الجماليّة في الطبيعة!، وهو من خلال فنيّته يكتسب قيمة جماليّة خاصة به كفن، فالقبح من الناحية الفنيّة ليس نقيضًا للجمال، لكنه درجة من درجاته!، أما نقيض "الفنّيّ" فهو الرداءة وليس القبح!،..
ـ وحين نقول إن "الرداءة" هي نقيض الفن، يتوجّب علينا أيضًا المرور على الكلمة بحذر، فقد تؤخذ "الرداءة" هنا بوصفها مفهومًا أخلاقيًّا، ولسوف تفقد معناها، ونضلّ الطريق!.
ـ الرداءة في العمل الفني هي ما ينتجه العجز عن التناغم والانسجام، الرّتْم والإيقاع، عجز العمل عن تحقيق وِحْدَة موضوعية، أو وِحْدة عضويّة، بما يحقق للعمل نبضًا يدلّ على القلب، قلب العمل نفسه!.
ـ وحين تُلِحّ نظريات الفن المتقدّمة، على أهميّة الشكل الفني؛ فذلك لأن قلب أي عمل فنّي لا يتشكّل إلا من خلال قالَبه: في الحياة الواقعية، ينبض القلب فنستدلّ على حياة الكائن، بينما في الحياة الفنيّة: ينبض الشكل فنستدل على وجود القلب، وتتشابك حياتنا بحياته!.
ـ وما ينطبق على القبح، ينطبق على الشَّرّ، فنحن مثلًا لا نحب، وبالتأكيد لا نُعجب، بأداء ممثّل يقوم بدور شرِّير، حين لا نشعر بإتقانه لهذا الدّور، في مثل هذه الحالات يتوجّب عليه أن يكسب كرهنا كاملًا داخل العمل الفني، ليحصد إعجابنا ومحبّتنا وتقديرنا له في ما بعد!.