الحكاية
كانوا يريدون تسويق أقفاصهم، في كل قفص حبسوا كلمة، قالوا إنها خطرة، وإنها فيما لو انفلتت يُمكنها تخريب الدنيا، وبالمجّان وزّعوا عددًا كبيرًا من الأقفاص، وفي هذا كانوا أسخياء فعلًا، لم يطلبوا ثمنًا لأقفاصهم الحامية، وبالصّلاح كانوا يصفون من يُطعم طيور الكلمات الخطرة بالسُّم أو يُلطّخها بالسخام، وبالطلاح كانوا يصفون من يهمس مشككًا: لكنها لا تبدو خطرة إلى هذا الحد، وبالرذيلة يتهمون من يجهر: صدحها جميل، كيف يمكن لها أنْ تكون مؤذية؟!.
ـ مزيدًا من الكلمات المحبوسة بحجة أنها شرّيرة ومن نسج الأعداء، كانت توزّع كل صباح، الفقراء كانوا بحاجة إلى مثل هذه الأقفاص، صاروا يحبسون كل مئة كلمة في قفص واحد، ويستخدمون الأقفاص التسعة والتسعين في بناء حائط أو سقف، بيوت كثيرة بُنيت بالمجّان، فتوجّب شكر موزّعي الأقفاص: إنهم لا يحمون البيوت المبنيّة من الهدم فقط، لكنهم أيضًا يسهمون ببناء ييوت جديدة!،.
ـ وماذا عن طيور الكلمات المحبوسة، كل مئة كلمة، كل خمسمئة كلمة، في قفص: دهس بعضها بعضًا، من مات منها أراح، ومن بقيَ أثبت بالدليل على أنه خطر ويمكنه القتل فعلًا!.
ـ لكن، ولأن الأمور لا يمكنها أن تنضبط إلى هذا الحد، فإنّ عددًا قليلًا من الناس، لمجرّد اللعب، وعددًا من الناس أقل؛ لأنه سبق له السفر إلى قرى أخرى، وفيها شاهد عددًا من طيور هذه الكلمات طليقًا، رائع التغريد والمسالمة، نشّار بهجةٍ وفرح وخبز أيضًا، فقد أطلق هذا العدد القليل والأقل من الناس، الكلمات من أقفاصها!.
ـ الذين عُرِفت أسماؤهم تمّ تشويه سمعتهم، ومَنْ لم تُعرف أسماؤهم اكتسبوا الدعاء عليهم بالثبور.. آمين!.
ـ ثمّ هيّأ الله للناس رجلًا، لا خوف فيه ولا تردد، كأنه خُلِق من الجسارة ومن الأمنية، تلفّت فرأى، وتدبّر فرأى ما هو أبعد: الناس في طريقهم إلى الخَرَس!، الكلمات المحبوسة في الأقفاص محرّمة على الألسنة في غير شتم غوغائي، من ينج من الخرس، لن يكون بمقدوره كتابة قصيدة حب أو رسالة سلام، أصدر أوامره، وطلب من المنادين، أن يقف كل واحدٍ منهم على تلّةٍ، ويصدح: أطلقوا طيور الكلمات من أقفاصها، ما خلقها الله بأجنحةٍ إلا لتطير، لقد تمت رؤيتها في بلدان كثيرة بعيدة وقريبة، كانت ذات منافع ولم تُلحق ضررًا بأحد!،.
ـ أُسقط في يد تجّار الأقفاص، الرجل الجسور طالبهم بأدلّةٍ فلم يجد أحد منهم ما يقوله، أقروا بالأمر: الأصل في الأمر الإطلاق!.
ـ بُورِكتْ يا رجل.