من هذا الذي سيتركك في حالك؟!
لم يكن يقصد إلا خيراً، كان يتحدث عن عاملة منزلية، قال: عملت لدينا سنوات بإخلاص وأمانة، ومنذ خمس سنوات عادت إلى بلدها، لكننا إلى اليوم نرسل لها ما كان راتباً على هيئة مكافأة!، الأمر طيّب، وليس مستغرباً، سمعت عن.. ورأيت من أهل الخير مثل هذا وأكثر، المُستغرب الذي رسخ في ذاكرتي من تلك الجلسة، كان في رَدّتيْ الفعل المتناقضتين، أحد الحاضرين قال: جزاك الله الخير كله.. عمل كريم، وأحد الحاضرين غَمَزَ ضاحكاً: "شكلها ماسكة عليك ممسك"!.
ـ مَن مِن الناس سيتركك في حالك؟!، غالباً: لا أحد!، ليست هذه الفرَضيّة مؤذية ولا سلبيّة على طول الخط، فالإنسان من الأُنس، وكثير من الناس يؤازرك، ويقدم المساعدة، ويشد على يدك، يُحسن الظن بك ويتمنى الخير لك، مثل هؤلاء، وهم كثير، بل أظنهم الأكثرية، لم يتركونك في حالك، تذكّرهم حين تتذكّر العبارة، وأجلسهم مجالسهم فيها، تسعد بهم وتجد في العبارة إنارة وبشارة!،..
ـ لكن عبارة "الناس لن يتركوك في حالك" تستدعي أيضاً من أهل التثبيط والتحبيط كثيرا، إنْ أنتَ فتحت مجلس الصدر لهم جميعاً، لن يبقى لأهل الخير مكان، فلا تقبل من أهل السلب والظن السيئ إلا من يدخل عنوةً ورغماً عنك، إنْ لم يكن الأمر رفضاً لهم، فليكن إكراماً لمن ساعدوك وناصروك، حاذر أنْ يكون مجلس صدرك مفتوحاً ثم لا يكون لأهل الكرم والطيب مكان فيه لتزاحم الآخرين!.
ـ مهما فعلت، مهما ستفعل، فإن ردّة فعل الآخر مرتبطة فيه وبه أولاً وليس بك ولا بما فعلت!.
ـ إنه يُدخل مشهدك في فيلمه السينمائي الخاص به، يعجنه بشخصياته وأبطاله وأحداثه وحكايته هو، هذا العجن يضيف ويحذف، يصوّر وقد يزوّر، وفي النهاية يشكلك على هواه ووفق طبعه وطبيعته!، والمحظوظ من جرى ذِكْره على ألسِنَة الكرام!.
ـ ما لم يكن قولاً كريماً أو ظنّاً طيّباً مُحفِّزاً، لا تهتم لما يُقال عنك، ولِمَا يُظنّ بك، تذكّر دائماً أنْ أحدهم قال لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: اعدل يا محمّد!.
رشفة الفنجان الأخيرة:
"كثير اللي فزَع يا كثْر أجاويد العرب يا فلانْ..
ويا قِلّ الرّدا في الناس لولا الشّك والظّنّهْ!
ولولا انّ الحَسَانِي: دفنها، عادة هَلَ الإحسانْ..
فلا أظّن الرّدا يلقى لسانْ وينحكي عنّهْ"!