خسائر ثلاثيّة الأبعاد!
عبر الذاكرة، أو عبر ما هو مُدَوَّن، يحتفظ التاريخ، التاريخ الجمعي الكبير، أو التاريخ العائلي الخاص، أو التاريخ الشخصي، الذاتي الخالص، لكل إنسان، بحكايات، لكنها أبداً ليست روايات، لنقل أنها ليست كذلك بالضرورة!.
ـ التاريخ: أرض حكاية، والحكاية: أرض رواية، لكن ومثلما أن الحكاية ليست تاريخاً فقط، فالرواية ليست حكاية فقط!.
ـ الرواية بشكل أو بآخَر حكاية، أو مجموعة قصص في حكاية واحدة، هذا صحيح، وهو على الأقل أكثر صحة وسلامة من كونها حُزْمَة نظريّات!.
ـ متى ما تعلّق الأمر بِصَلَة الرِّحِم، فإنه حتى المشاعر السطحيّة الطّافية على خشبة سرد قصصي سائب، أقرب للرواية من كيس أفكار ينفتح، أو حزمة معلومات يُفكَّ رِباطها!.
ـ غير أن حكايات التاريخ، أياً كان ذلك التاريخ، هي مجرّد أحداث، وهي حيث تجتمع أو تتفرّق، فإن حكمتها، التي هي قيمتها، تتشكل من خلال رياضيّات!، وهل المُحاسَبة إلا من الحساب؟!.
ـ التاريخ العام يقول لك لماذا صارت الجغرافيا على ما هي عليه اليوم، كذلك يقول لك التاريخ الشخصي لماذا يقف صاحبه اليوم في هذه النقطة بالذات، وذلك رغم أن كل منهما يوهمك بأنه إنما أراد أن يجيب على سؤال "كيف" وليس "لماذا"!.
ـ الرواية الأدبيّة، بصفتها فنّاً، هي القادرة على إضاءة "كيف"، وأن تكون جواباً، أو مجموعة جوابات لها!، إضاءتها وليس إضافتها، ذلك أن "كيف" موجودة سلفاً، لكنها مختبئة دائماً!.
ـ إن بدا أمر التفريق بين الحكاية "التاريخ" وبين الرواية "الفن" مُشوَّشاً فذلك لعجز منّي، لكن إن بدا الأمر مُعَقّداً بعض الشيء فذلك لطبيعة التداخل بين حكاية التاريخ وفن الرواية، وهو تداخل قد يبدو فكّه غير مهمّ، ولا مُجدياً، لكنني أظن أن عدم الالتفات إليه، أربك ويُربك الأدب والسياسة طوال الوقت، وحدّ كثيراً ويَحُدُّ دائماً من الاستفادة من التاريخ ومن التمتّع بالفن، وبدخول القارئ طرفاً ثالثاً، تكون المسألة خسارة ثلاثيّة الأبعاد!.
ـ على الأقل، فإنه لا يمكن لنا، ما لم ننشغل بهذه النمنمات الصغيرة، التفريق بين الرواية وبين السيرة الذاتية، هذه التي تتقدّم أكثر من أي وقتٍ مضى، حتى بات حضورها يشكل تهديداً حقيقياً للفن الروائي، وتمهيداً لذوبانه في شكل آخر من أشكال الكتابة!.