هَدْرٌ ومُكابَرة!
قبل أشهر، سألني مغرّد كريم، عن التغريد في تويتر، وهل هو كتابة أم مشافهة؟، كان ردّي: لا أعرف تماماً، لكن السؤال مهم، وعميق، وجدير بالتأمل، وكان ردّه على ردّي: لا تتعب حالك، هو مشافهة!،..
أتعبت حالي، وفي آخر المطاف، اقتنعت بكلامه، ليتني أتذكر اسم السائل الذي انتقل إلى خانة المُحاوِر ثم إلى خانة المُعلّم في أقل من دقيقة، من حق أصحاب الأسئلة الجميلة حفظ حقوقهم، تماماً مثلما هو من حق أصحاب الجوابات المشعّة حفظ حقوقهم، لسائلي ومحاوري وأستاذي الكريم أعتذر، لكنني لست نادماً على ما أنفقت من وقت في التأمل والقراءة والبحث للوصول إلى ذات النتيجة التي رماها في طريقي، وفي طريقه مضى، حملتها إلى مكتبتي، كان "كانط" بجلالة قدره ينتظر!، ربما لو جاء "كانط" في وقت تويتر لقدّم تأويلات عميقة، وأكثر رهافةً، لكنه عموماً فرّق بين المشافهة والكتابة، ترك مسافة واسعة بين ما يمكنه أن يدور من أحاديث عابرة، على طاولات المقاهي، وجلسات الصحبة الخاصة، وبين ما هو مكتوب، مسافة تفرّق بين ما هو عابر، ولم يُنجز ليدوم أبعد من لحظته، وبين ما أُسِّس رغبة في البقاء،..
صحيح أن تويتر حالة كتابة في نهاية المطاف، لكنه ينتمي للمشافهة، وينتصر للمُزَال والعابِر، ورغم محاولاتنا العديدة، في العالم العربي، فإن رغباتنا في سحبه إلى أن يصير دفتراً ثقافياً، لم يُكتب لها نجاح حقيقي، ورأيي أنه لن يُكتب!، وإذا كان هذا هو حال تويتر، فما بالك بالإنستجرام، وسناب شات؟!، هي مواقع للتواصل العابِر، للصداقات الوهميّة، وللعداءات السطحيّة أيضاً، كل ما نفعله رغبةً في جعلها تحتمل أكثر من ذلك، مجهودات خائبة، رغم عدم اعتراضي على المحاولة، إكراماً لنبل غايتها وشرف مسعاها، فقط أقول إنه من المحزن، والعبثي أيضاً، عدم استغلالها للتعبير عن مشاعرنا اللحظية، أو الاستهانة بمن يسيرون في هذا الطريق،..
الأخطاء الإملائية والنحويّة لا تُعيب أبداً من يتعامل مع هذه المواقع، المهم أن ينجح في نقل إحساسه، مثلما هو، كما أن التطرق إلى المسائل الفكرية العميقة في مثل هذه المواقع، حتى وإن تم قبوله، فإنه يظل ترفاً فائضاً، وأظن أننا ما لم نتخذ هذه المواقع للتسلية، والتسلية فقط، مع قبولنا بأي فائدة تمرّ صدفة، فإن ما نفعله هدْر، ومكابَرة، ليس إلا.