2016-11-10 | 04:03 مقالات

‏أيهما السراب.. الماء أم كفوفنا؟!

مشاركة الخبر      

بعد 35 سنة، كان على كلايف بل مراجعة طبعة جديدة لكتابه " الفن"، رغب في تحديث بعض الفقرات، لينسجم ما فكّر به وأحس، سنة "1913"، مع تفكيره ومشاعره التي تطوّرت سنة "1948"، لكنه تراجع، اكتفى بأقل من خمس صفحات، صدّر بها الطبعة الجديدة: "إذا كان للفن "يقصد الكتاب"، أي قيمة للأجيال القادمة، سيكون ذلك بوصفه تسجيلاً، لما كان أشخاص مثلي، يفكرون ويشعرون به في السنوات السابقة على الحرب الأولى"، وعليهِ، فقد قرّر كلايف بل، الإبقاء على المبالغات كما هي، تاركاً التبسيطات الطفوليّة والإجحافات على حالها!.
سنة 2013، نقل الدكتور عادل مصطفى كتاب الفن إلى المكتبة العربية، يبحث الكتاب في ماهيّة الصفة المميِّزة للعمل الفني، عن ذلك الشيء الذي متى ما وُجِدَ، صار العمل به وفيه ومن خلاله عملاً فنياً، فإن عزَّ وجوده وامتنع، صار العمل غير فنّي!،
هي واحدة من أصعب مهام النقد والبحث الفنّي على الإطلاق، تكاد تكون محاولة للإمساك بسراب، الفرق أن من يبحثون عن هذا الشيء، كتّاباً وقرّاءً، لا يخرجون بغير استمتاع، لا مثيل لدهشته الطفولية، فكلّما اقتربوا من الإمساك بشيئهم هذا، زادت حيرتهم، أيّهما السراب: ماء الفن أم كفوفنا؟!،
كيف يمكن لأفكارنا، مهما رتّبناها، بل وبالذات حين نُحسن ترتيبها، الوصول بنا إلى حقيقة الفن، أي إلى حقيقة ما هو فوضويّ أصلاً؟!،
ما أسهل القول إن الفن مسألة إلهام، لكن كل فنان يعرف يقيناً، أنه بين لحظة الإلهام ولحظة انتهاء العمل الفنّي مُتّسعٌ لتصويبات وزلّات وانحرافات عديدة،
المتلقّي المُبدع يعرف أيضاً أنه اليوم وبعد سنوات من ملاحقة الأعمال الفنيّة، والعيش فيها، يمتلك صندوق إلهامٍ، يحتوي بضاعة جديدة كل مرّة، لكنه لا يمتلك مفتاح الصندوق!، الأصح أنه صار يعرف أن للصندوق آلاف المفاتيح، والمدهش أنه ليس من بينها، عادة، المفاتيح التي ظن أنها هيَ!،
صندوق التلقي مثل صندوق الإنجاز، يفتح مفاتيحه، ويفعل ذلك على هواه أيضاً!،
في هذا الكتاب، وفي غيره مما قرأت في هذا المجال غير الحصيف تماما!، لم أجد أثبت من "الشكل" للتمييز، لوصف وتعريف العمل الفنّي، ومثل هذه الكتب لا يمكن نقل فائدتها في مقال صحفي، خاصة الكتب التي يمكن وصفها بالعمق والتميّز الشديد، ومنها دون شك كتاب الفن لكلايف بل، ومنها أيضاً كتاب الجمال الفني لجيروم ستولنيتز، وهو الكتاب الذي تحدّثت عنه كثيراً وسأظل أفعل، ومنها كتاب ضرورة الفن لإرنست فيشر، رغم حسّه الاشتراكي الصارخ، حيث ذوق كل طبقة منتصرة، يكون في البداية، آخر ذوق الطبقة المهزومة!،
نرجع لكتاب كلايف بل "الفن"، حيث الفن مؤشر أمين للحالة الروحيّة لعصره نعم، لكنه أجلّ من أن يكون نقداً لهذا العصر فقط، وهو أجلّ من أن يكون نقداً عموماً!، وحيث أنه بإمكان الفكر العظيم، بغير شعورٍ عظيم، أن يصنع أدباً عظيماً!،
دهاليز في دهاليز، ما أحلاها، في كل واحدٍ منا فنّان حقيقي وفخم، جرّبوا لذّة القراءة، وابحثوا عن إجابات لأسئلتكم البسيطة، ستتحسّن الإجابات بتحسّن الأسئلة!،
مرّةً قال لي صديق العمر والشعر "مسفر الدوسري"، وقد كانت أيام الصِّبا وأول الشباب، إننا فيما يبدو مقبلين على قضاء هذا العمر في محاولة صيد إجابات لإطعام أسئلتنا التي لا تعني أحداً سوانا، أضاف: ولكننا لن نندم، شكراً مسفر الدوسري، صَدَقْت!،..
اعتذار:
كنت قد بدأت الكتابة رغبةً في مناقشة الأمر التالي: هل يتوجّب على الفنان، متى ما أحس ضرورةً، تصحيح وتنقيح عمله الفني بعد سنوات من عرضه على الناس، أم أنه من حق الناس بعد أن صار العمل جزءاً من ذاكرتهم، ألا يمسّه أحد، بما في ذلك صاحب العمل الفني الأصلي؟،
الحديث أخذنا، ولم يتبق من المساحة الكثير، أختصر رأيين، أدونيس يقول: نعم يتوجب التنقيح، الشاعر مسؤول عن نصّه إلى أن يموت!،
فايق عبدالجليل يقول: لا، اكتب جديداً، واحترم وجد عاشقٍ ربما، في يومٍ من الأيام قديم، قطف من كلماتك مقطعاً وأرسله لمحبوبته، أظنه كان يقصد أن في أي تغييرٍ أو تنقيحٍ أو حذفٍ أو إضافة، تذكير بتجاعيد العمر!.