2016-11-26 | 04:44 مقالات

تابع السَّيْر، انبَسِطْ، كُفّ عن التّملمُل!

مشاركة الخبر      

مرّ هنري ميللر بالكتب التي قرأها، كما يمر رجل في الأدغال، بمتعة لكن بمشقّة أيضاً، فيما بعد وللتخلّص من هذه الكتب، كتب عنها!، يقول: "تعلّمت من العيش في قلب الأدغال، بضعة أشياء عن الأدغال، لكن هدفي لم يكن العيش في الأدغال، بل التخلّص منها"!،

أصدر كتابه الرائع "الكتب في حياتي"، الذي وُلِدَ مثل طفل مُعوّق، بطبعةٍ صعبة القراءة على العين، وليست وافية لمسيرته القرائية، تم اختصار المسيرة القرائية، بسبب تكاليف الطباعة، ومن النقّاد تلقّت تلك الطبعة سَلْقَ ألسِنَةٍ حِدَاد!،
تم إنقاذ هذا الكنز الأدبي لاحقاً، وصار أحد أهم الكتب المُحبّبة لقرّاء هنري ميللر، بل ولهنري ميللر نفسه!

أطيب ما في الكتاب، رغبته، وقدرته، ونجاحه في إيصالنا إلى قَطْرةٍ هي الغيث: "المطلوب ليس أن نمتلك شيئاً لا نملكه في الوقت الحاضر، بل أن نفتح عيوننا لنرى، ونفتح قلوبنا لنشعر، بما نمتلك جميعاً"!،

إشراقات هنري ميللر جسورة دائماً، في كل كتاباته يُنصِف ويَنسِف، وفي كتابه هذا، يكشف خطأ من يظنون أن الكتب المُعترف بقَدْرها عالميّاً، والمُحصّنة بوصفها تُحَفاً فنيّة، وحدها القادرة على إلهامنا: "إن الرجل الحكيم، الورع، المثقف الحقيقي، يتعلّم من المجرم، والشّحّاذ، والعاهرة، بقدْر ما يتعلّم من القدّيس، والمِدرِّس، أو من كتاب جيّد"!،

لا في التجارب، ولا في نوعيّة الكتب، الأهمية تكمن في ما يضع فيها، كلّ من مَرّ بها، أشياء من عنده ومنه!،

ولأن هنري ميللر ليس أديباً عاديّاً، ولا حتى قليل التفوّق، فهو لا يمسكنا من أيدينا، ولا يقودنا إلى حيث يريد، يكتفي بالإثارة، والإشارة، والإيحاء، لنبتكر أسلحتنا، أو طرائق استسلامنا لأحلامنا، والذهاب إلى حيث نريد!، ولو أنه أتيحت للقرّاء، فرصة تغيير أسماء الكتب الجيّدة، التي مرّوا بها، ومرّت بهم، لاقتطفت من كتاب هنري ميللر هذا، اسماً آخر له: "تابِع السَّيْر!، انْبَسِط، كُفّ عن التَّمَلْمُل!"،

"الكتب في حياتي" لهنري ميللر، كتاب يحمل في داخله جرثومة إبداع مُعْدِيَة، وهو غير مفيد أبداً، بل قد يكون مُضِرّاً، لأولئك الذين يُصرّون على بقاء أعمق حوافِزِهم مكبوتة!