الأساتذة
وصف صديق كتابتي بالنخبويّة، خفت، وفي مكتبتي رحت أُفتّش عن المُنقذ، عن أستاذ السلاسة والبساطة في الكتابة أنيس منصور، أي كتاب لأنيس منصور يفي بالغرض، كلّما وجد كاتب نفسه في خطر الابتعاد عن الناس بكافة ميولهم ورغباتهم وثقافاتهم، يمكنه العودة لهذا المرجع الكبير، صَبّ كوبين أو ثلاثة أكواب من أسلوب أنيس منصور في أسلوب أي كاتب، يجعل من وجبته الكتابيّة أشهى وأطعم وألذّ، خاصّةً في سَفَر، وعلى سُفْرَة، الصحافة.
نمتُ والكتاب بين يديّ، وصحوت فاكتشفت أنني كنت متلحّفاً الصفحتين "138ـ 139" من كتاب "قل لي يا أستاذ"، حيث آلبير كامي يرى أننا جميعاً نعيش في بطن الحوت، بينما يجلس سارتر في مقهى "دي فلور" في باريس ليكتب فلسفته، وفي مصر يطلب كامل الشناوي من أصدقائه رفع وتيرة الضوضاء ليتمكن من المُضي في كتابته، وفي مكان آخر وزمن سابق يطلب العبقري موتسارت من زوجته أن تحكي أي شيء، وأن لا تتوقف عن الكلام، ليعرف كيف يهرب من الحكاية والكلام، ويركّز أكثر في موسيقاه وعزفه.
كيف قدرت على النوم في كل هذا الصخب؟ هذه واحدة من أسرار متعة أنيس منصور، وهديته الباقية لقرّائه ومحبّيه، المهم أنني صحوت نشيطاً، منشرح الصدر، فقد كنت أقرأ لأتشرب أنيس منصور من جديد، ومن الواضح أنني نجحت، بقي أن أعود إلى الطرف الثاني، المتفق والمغاير في نفس الوقت لأنيس منصور، أن أعود لأديب الكتابة الصحفية اليومية رقم واحد بالنسبة لي، أستاذنا سمير عطاالله أمدّ الله في عمره وحبره، يكاد يكون الأستاذ سمير عطاالله كاتب الصحافة اليومي الوحيد، من بين كل من قرأت لهم، الذي لا يتخلّى أبداً عن رشاقة الأدب، ورهافة الجملة، وظلال الشاعريّة، مهما كان الموضوع.
وهو أمر عجيب فعلاً، لا يستوعبه الوقت في الكتابة اليوميّة الدائمة، بل إن السرعة اللازمة لإرسال المادة إلى الجريدة تقف ضده، وتتمكن من عرقلته دائماً، لكن سمير عطاالله استثناء في كل شيء، في الخُلُق والكرم والتواضع وعفّة اللسان والهدوء الحكيم، وفي الثقافة والموهبة والالتزام أيضاً.
قرأت مقالات أستاذنا، واحدة جديدة، وتسع مقالات متفرقة قديمة، والهدف أن أستعيد توازني، دون أن أفقد شيئاً من أثر عشرات الكتّاب، ومئات الكتب التي عشت معها وبقيت حيّةً فيّ.
هذا ما لديّ لأهذّب نفسي، ولا يُكلّف الله نفساً إلا وسعها.
ـ ومن قصيدة عاميّة لي:
أخذت اشطب اللي كتبْني معايْ..
.. عشان آصل اللي أبي آصَلَهْ
ومن غبت يا كل ما لا سِوايْ..
شعرت ان ما عاد لي بي صِلَهْ