حكايات العطّارين في جدة القديمة
لكل كتاب من كتب الدنيا، صفة الحُضن!، صفته وطبيعته!.
ما إن تفتح كتاباً حتى تُصاب بالطفولة!.
عباءات الأمّهات السوداء هي كل ما تحلم به صفحات الكتب البيضاء!.
وعبر "حكايات العطّارين" يقدّم عبدالعزيز عمر أبوزيد كتاباً في الحنين، وليس كتاباً في الطب الشعبي!، أو على الأقل هذا ما أحببتُ التنبيه إليه، ذلك أن في الكتاب وصفات طب شعبي لا أنصح بالاطمئنان إليها دون مراجعة طبيب مختص!.
"حكايات العطّارين في جدّة القديمة: دراسة تاريخيّة وصور اجتماعيّة للمعتقدات والوصفات الشعبية"!، العنوان طويل جداً!، لذلك تم تخفيفه بـ" ذهانة" صحفية، يمكنك الاكتفاء بعنوان "حكايات العطارين"، فقد كتُبت منفردة ومعزولة بالخط الأحمر على غلاف الكتاب، بعدها فُرِّغ الأسود بالأبيض، وتمت تكملة الاسم: "في جدة القديمة"، وفي زاوية من الغلاف تم توصيف الكتاب ببقية الكلمات!.
أطول ما في الكتاب اسمه وعنوانه!، والمهم أنه كتاب خفيف، والأهم أنه كتاب طيّب!.
لا ينجح في إيقاف زحف المدينة نحو مدنيّة إسمنت وعلاقات تتخذ من أسلاك الكهرباء الشائكة خارطة طريق، لكنه ينجح في إحداث هبّة أطياب حنونة، دافئة الحكايات، تستعيد بها مدينة جدّة أمومتها، قبل هدم سورها العتيق 1367 هـ، وقبل أن تتناقص الأبقار في أحواش العطارين وتُصبح الألبان تابعةً في حركتها لوزارة!.
اعتمد الكاتب على حفظ مساجلات شفهية وتدوينها، مما أعطى الكتاب نكهة حياة حقيقية مُعاشة، ويمكن استعادتها، عبر الكلمات والصّور، وعبر حقائق أخرى تختبئ حياءً وتُطهرها الحاجة، فـ "مهما تطوّر الطب الحديث وتشعّبت تخصصاته وتوسّعت إمكانياته، يظلّ العطّار متواجداً خلف ستار الأطبّاء"!.
كتاب طيّب، قلتها وأكررها عامداً، هذا ما شعرت به، ولا أريد تحريف شعوري بكلمات أو إلى كلمات أخرى مثل جميل أو رائع، أو حتى مهم، رغم أنه يستأهلها جميعاً، وبالذات صفة الأهميّة، أريد أن أُبقي على مشاعري تجاه هذا الكتاب أمينةً، حتى لو لم تُناسب أعراف الحكم النقدي، كتاب طيّب حنون، دافئ، أكاد أقول: يمكن لك بعد قراءته تنقيته وتفويره وشربه!.
الكلام مَجاز، الكلام مَجاز يا سادة يا كرام!.