2017-02-28 | 02:06 مقالات

بين صوتين: الحقيقي والعلّاني!

مشاركة الخبر      

لبثينة العيسى كتاب صغير، كأنه همس: "بين صوتين: فنّيات كتابة الحوار الروائي"، كتاب رائع، لولا أنني أخاف خدش لطافته لقلت: يُدَرّس!،..

 

من السهل على أي أحد، لملمة أقوال متناثرة هنا وهناك لعدد من الكتّاب حول موضوع معين، والاتكاء عليها، لإنجاز مقالة أو كتاب، ويا قلبي "لا تحزن"!، في مثل هذه الحالات لا يحتاج المرء إلى أكثر من "لملمة" فعلاً!، أكتب كتاباً عن الحب، كتاباً عن الفروسية، كتاباً عن النجاح، حسناً قال فلان وأنشد فلان ويُحكى عن فلان وكتب فلان!، لا يحتاج الأمر إلى أكثر من واوات عطف!، أمام هذه النوعية من المولّفات لا أقدر على رؤية اسم الكاتب، وبيني وبين نفسي أسميها كتب العلّانيين!، نسبة إلى "عِلّان"!، فما دامت قائمة على تجميع أقوال فلان من الشرق وفلان من الغرب وفلانين من الشمال والجنوب، فهي كتب "فُلانِيّة"، ومهما اختلفت أسماء من يزعمون أنهم كتّابها، فهم واحد: السيد علّان!،..

 

بثينة العيسى أديبة أصيلة الموهبة والإبداع والثقافة والتأمل والوعي والالتزام، وبسبب من ذلك كله هي بسيطة، وبسبب من ذلك كله هي ممن يتّكئون على مقولات وإشارات أدباء آخرين، لكن بواوات عاطفة وانعطاف، لأكتب: بواو عطف أدبي وليس نحويًّا!، من هنا ينبع الثّراء الذي تصبّه فينا كتاباتها الثقافية، ولعلّها مُناسَبة تسمح لي بتحيّة نشاطها الأدبي الروائي أيضاً، وتسجيل ملاحظة: أكثر ما يطيب لي في نهج بثينة العيسى الروائي، زُهدها في البحث عن مواضيع وقضايا يسيل لها لُعاب الجوائز!، زُهد جليل يستأهل كتابة مُفصّلةً، لكنني لم أقدر على تفويت الإشارة إليه سريعاً هنا،..

 

كتاب "بين صوتين: فنيّات كتابة الحوار الروائي"، يبحث في واحدة من أبسط وأعقد أمور الرواية معاً، في ما لا يمكن إغفاله وما لا يمكن الاكتفاء به في الرواية، في الحوار، ضرورةً وخطورةً!، وحين يكون مثل هذا البحث مُرسلاً من أديبة ومثقفة معاً، تتدفّق تجربتان: أدبيّة خاصّة وثقافية عامّة، مثل هذه الحالات تصنع فارقاً شاسعاً بين الكتابات "العلّانيّة" وبين الكتابات الجادّة والحقيقية لأهل الفكر والأدب الحقيقيين، ومنهم بثينة العيسى، امرأة كويتيّة ذات نشاط ثقافي مُعتبر، لطيف لكنه لا ينحني، خلوق لكنه لا يرى أن من الخلق غياب الجَسارة، يترفّع عن الصغائر لكنه لا يرتفع عن الواقع والمُعاش، أتحدث هنا عن مكتبتها الجميلة: "تكوين"، والتي اقتربت من أن تكون معلماً كويتياً يستحق الزيارة حتى لو من باب السياحة!، وكذلك أتحدّث عن نشاطها في شبكات التواصل، في تويتر وسناب شات، في هذا الأخير تقدم بثينة العيسى مادة أدبية رائعة، ويوميات لطيفة، موسيقى طريق وأولاد يقرؤون!،..

 

أرجع للكتاب الصغير الجميل "بين صوتين"، لأعتذر له عن استطراداتي الكثيرة، وأكتب: كتاب مبهج، بسيط، عفوي، يستحق القراءة، مع ملاحظة أنني حين أقول عن كتاب أنه "يستحق القراءة"، فإنني أقصد أنه كتاب لا يُقدّم إجابات، والأهم أنه لم يأتِ من الأساس لتقديم إجابات، لكنه يتقدم خطوة في الطريق، ويدعوك للتأمل فيك وفيما تعمل، أكثر ممّا يدعوك للتأمّل فيه وفيما يعمل.!‏