2017-03-30 | 03:40 مقالات

الكتاب الأكثر مبيعاً!

مشاركة الخبر      

ـ القراءة الآمنة واحدة من أقل القراءات نفعاً، لكنها جاذبة ومطلوبة، وهي العنصر الأكثر تأثيراً في حكاية التوزيع، تكاد تكون كل الكتب الموصوفة والمشهود لها بأنها الأكثر مبيعاً، وربحيّةً، هي الكتب المشتغلة من الأساس على القراءة الآمنة!، تلك الكتب المُجهّزة أصلاً وفصلاً، لا لإثارة قلق، أو تحريض فكرة ما على الانفلات، أو تخصيب تأمّلات ومنحها جَسَارة حضور أعلى، أو غوايات بحثيّة من أي نوع، أو رغبة في تغيير، وإنما لتثبيت معتقدات هي ثابتة أصلاً!، تثبيتها بمعنى وعن طريق طمأنة القارئ المتبنّي لها أصلاً على صحّة مُعتقده وسلامة تبنّيه وصواب رأيه!.


ـ حكاية الكتب الأكثر مبيعاً، دعاية كاذبة؛ لأنها لا تقول الحقيقة كاملة، هي لا تكذب، وأشد أنواع الكذب يكمن في الأقوال التي لا يمكن مقاضاتها بالكذب!، تلك التي تقول حقيقة لكنها لا تقولها تامّة، وهي تعرف أنها فيما لو قالتها تامّةً لمسحت بقيّة القول أوله!.


ـ عبارة الكتب الأكثر توزيعاً أو مبيعاً، تكون حقيقيّةً في كثير من الأحوال، لكنها لا تعني أكثر من إعلانها عن التوزيع خلال سنة واحدة أو سنتين، وربما خمس سنوات!، بمعنى أنها وقتية، وتتحدث عن نتيجة غير دائمة، عن سباق في أوّله، في اللفّة الأولى أو الثانية من المضمار!.


ـ ومن الطبيعي أن يكون هواة القراءات الآمنة أنشط بحثاً ومؤازرة لكتّاب الكلمات الآمنة، خاصّة للكتّاب الأحياء، والمعاصرين لهم، ففي ذلك إحساس بالأمان أكثر!، في حين يُواصِل قُرّاء القلق مسيرتهم ببطء عبر الزمن؛ لأن ما يشغلهم كوني ودائم، في حين يتميّز أصحاب القراءات الآمنة غالباً بالحيّز الجغرافي المؤطّر، وبالاستهلاكية والانقضاء، وهم لذلك يشكلون جماهيريّة أوضح وأنسب للتعامل التجاري الذي يُعلِن دائماً تقديره لهم وإعجابه بهم وانحيازه إليهم!.


ـ عبارة "الكتاب الأكثر مبيعاً" هي ذاتها عبارة آمنة!، وغايتها طمأنة القارئ على أنه طبيعي ومُحق في رأيه فيما لو اقتنى الكتاب!.


ـ ومن طبيعة الكتب الآمنة، دورانها حول مواضيع ذات طابع ديني سطحي، أو عاطفي هش وساذج، أو اجتماعي أقرب إلى المُحافِظ، أو قومي مليء بالشعارات الطّنّانة، ولافتات الجُمل المُقَرقِعَة والمُفَرْقِعَة، التي قد تبدو للوهلة الأولى وكأنها تحمل رأياً خاصاً، بل مُعارضة شجاعة، لكنها في حقيقتها فارغة من كل هذا، لا خصوصيّة ولا شجاعة ولا هم يحزنون!.

 
ـ كل ما في الأمر أنها تُفرِّغ شحنات انفعاليّة في فضاء سائب!، كما كانت تفعل مسرحيّات دريد لحّام مثلاً!؛ ما يمنح الكاتب والقارئ صكّ إبراء ذمّة وهميًّا!، وراحة نفسية جبانة!، حيث يدفن كل من الكاتب والقارئ رأسيهما في الكلمات تماماً كما تفعل نعامة في تراب!.


ـ فإن لم تكن المسألة مسألة راحة بسبب تفريغ شحنات، تكون طمأنينة جمهرة وحشد!، عن طريق كتابة تؤكد ما يعتقده القارئ أصلاً، وما يؤمن به أساساً، وتستجيب لبحثه عن مُخدِّر أو هدهدة!.


ـ والنجاح هنا حسب القدرة على الدغدغة لا على الإقناع!.


ـ ويمكن لك بسهولة معرفة ما إذا كانت كتابة ما تجاريّة، بمعنى أنها سلعة، أو كتابة فكرية بمعنى أنها قضيّة تأمّل، فكل كتابة ميّالة للحشد هي كتابة تجاريّة، في حين أن كل كتابة ميّالة لأخذك جانباً ومجالستك على انفراد، هي كتابة فكريّة أو ساعية لأن تكون كذلك!، هذا هو الغالب في الأمر؛ ذلك لأن حضور الاستثناء: قاعدة!.