رقصة نواف العابد
تجود كرة القدم على مر تاريخها من وقت لآخر بعباقرة يمتازون بالغزوات الفردية والرقص على نبض قلوب العشاق، يعاب عليهم المزاج المفرط والخروج عن النص والتحليق خارج السرب وهو ما يتعارض مع فكر الجماعية لهذه اللعبة الأمر الذي يضعهم دوماً في قفص الاتهام.
أعرف أن مباراة الهلال والعين الآسيوية الماضية قد اشبعت تعليقاً وغزلاً وقدر لي أن أمارسهما قبل ركلة البداية لكن لكل كاتب زاويته ولكل مشاهد رؤيته وبالتالي سأذهب للحظة من الزمن توقفت فيها أهات العشاق وتحول التشجيع والضجيج لنبض قلب يقرع في الصدر كأنه قرع طبول في معركة وليس هناك عز " لطبل " إلا في ساحة المعركة، هذه اللحظة كانت في الجهة الشمالية للفريق الهلالي الجانب الأيمن لفريق العين، حيث التقى نواف العابد الراقص المحترف والفارس الملثم والأسمر الفنان بنجم الكرة الإماراتية عمر عبد الرحمن على هامش اللقاء.
كانت اللعبة تشير لانتصار هلالي مفجع ولثورة بركان آسيوي لا يثور إلا تحت الضغط حين صافح نواف العابد اللاعب المزاجي محور هذه المقالة وقلم هذه الكتابة المستديرة المجنونة بقدمه اليمنى الوهمية ليبدأ باليسرى رسم لوحة انفرادية وتشكيلة موسمية نادرة ورقصة الجندي المنتصر بين أقدام "عموري".
طبعاً في المعارك التاريخية عليك أن تعرف من تبارز وتدرك من تلاقي وبالتالي تعرف قيمة فعلتك التي فعلت فاللاعب الإماراتي يعد الأبرز الآن في منتخب بلاده وفريقه وكان أحد أهم العناصر التي أسهمت بشكل كبير في النتائج الإيجابية التي نتتبعها الآن على مستوى الكرة الإماراتية في حين يبقى لاعبنا المجنون حبيس مقاعد الاحتياط لأكثر الأوقات ورهن إشارة المدربين الذين يتجاهلونه على الدوام نتيجة داء المزاج والذي لا يصيب إلا عباقرة كرة القدم.
لقد سقط عموري في المبارزة الفردية أمام العابد وهو الذي يكن له جل الاحترام وأثبتت كرة القدم للمرة المليون أنها ليست رياضة بقدر ما هي لعبة مجنونة وجدت للمجانين من محبيها وأن العابد نواف واحد من أهم الأسماء التي ستمر على الكرة السعودية دون استثمارها بشكل أفضل ودون الاستمتاع بكل ملكاتها الإبداعية بل أننا نمتاز بقتل هكذا مواهب فحتى هدفه الذي كاد يسجل في التاريخ كأسرع هدف في العالم سارعنا بالاحتجاج عليه وإسقاطه من السجلات.
هذا الفتى الأسمر المغرور والمزاجي لاعب حريف يستحق الاهتمام والانتباه في كثير من الأوقات بل أنه يستحق أن نحميه حتى من نفسه ومن أفكاره بقدر ما نستطيع فأنا لست بمعزل عن هفواته لكن وللحق وجدته داخل المستطيل الأخضر وبالذات في اللعبات التي يأخذ كامل الصلاحية نجماً لامعاً لافتاً ومتألقاً.
هنا يكمن سر كرة القدم وحلاوتها في العنصر الذي تقدمه لنا مثل نواف العابد ومثل غيره مروا من أمامنا دون أن نعرف سر غيابهم.