ليلة لها طعم الهلال
هناك ليال في حياتنا نادرة ومختلفة من المهم فيها تحري رؤية " الهلال " وانتظاره بشوق ولهفة، وأشياء أخرى مختصرها " شغف " وحينما يغيب عنها صديقي محمد الكثيري " يرحمه الله " أجدني مضطرا لانتحال جزء يسير من شخصيته الفارهة ومداده الفاخر نحو حب هذا الأزرق الفتان وهذه الليلة هي واحدة من تلك الليالي.
بطبيعة الحال لدينا أعراف سائدة أسهم فيها مجتمع رياضي " رجعي " وإعلام " متخلف " مفاداتها أن الميول أمر طبيعي وأن الرياضي الذي لاميول له ليس رياضيا مكتملا النمو وهي من الشروط التي يجب توفرها في كل كاتب يهدف لأن يكتب مقالته، ورغم اعتراضي على ذلك فليس هناك ميول " بعد الأربعين " أجمل من تتبع دحرجة كرة القدم والبحث عن مفاتنها من خلال تمرير مجنون أو جملة ساحرة كالتي كانت تدور ذات يوم أشقر الخطى على وقع أقدام زيكو وسقراط وجونيور وفالكاو وبالذات للذين بلغوا من النضج ما يساعدهم على التعايش مع واقعهم إلا أنني أسير معهم على " الجنب اللي يريحهم" كما يقال وأكثر.
دعونا نعود لهذا المساء .. لليلة لا ككل اليالي يغرد فيها بلبل العشاق بعيدا عن سرب المنكسرين وخارج " أقفاص " المحبطين يظهر فيها قدرته على الشدو الجميل ليؤكد أن كرة القدم ليست لعبة رياضية بالقدر الذي يمنحها حق هذه القسوة والتعصب والاقتتال، إنما هي تحاكي عبقرية لجوهر الأعمال الأدبية الخالدة في الأوساط الثقافية حتى يومنا هذا، بل إن كل ليلة تشبه هذه الليلة هي في حد ذاتها عمل ملحمي يستحق الانتباه.
عموما فريقنا الأزرق الذي سيرتقي جيله الثالث هذا المساء مسرح الأحداث في واحدة من أقوى المنازلات الصاخبة أجده قد أعد بالطريقة المناسبة لتقديم النغمة الشاردة والمقطع الأهم والمنتظر من " سيمفونيته " الخالدة بل إن أكبر القارات بدأت تنصت لموسيقار طال انتظار فلسفته ليشكل " الأوركسترا " الخاصة به وهي ليست ببعيدة ولا مختلفة عن تلك التي منحته زعامة " نصف الأرض " وكل " القرن " فلونها أزرق وصوتها يبلغ المدى وترانيمها تردد على شفاه المحبين والمخلصين والأوفياء.
الهلال على عتبات مجد جديد والمجد الجديد عادة يغير تشكيل الكثير من الوقائع ويعيد هيكلة العديد من الجمل والخطابات بل ويعيد صياغة " الاستراتيجيات " ويمنح صناع اللعبة مزيدا من المساحة التي تساعدهم في بناء فرق قومية قوية تحقق الأمنيات وتبلغ الآهات ومنهى الطموحات وهذا أيضا كان قدر الهلال وبالتالي فإن الزمن الجديد الذي يحلم فيه فتية الجيل وأبناء المرحلة يتمثل الآن في رؤية فريق سعودي يستحق أن يحقق هذه البطولة.
طبعا لن أكون مثاليا في دعوة الجمهور لمساندة الهلال بحجة أن العمل من " أعمال الوطنية " ولا أحب أن أخوض في هذه الفلسفات لأن كرة القدم عالم آخر تختلف فيه الحدود والتضاريس عن واقعنا ولكن أدعو العقلاء بأن الميول لكرة القدم الأجمل وهو ما قادنا لاختيار أندية أوروبية نتابعها ونترقبها وهو أيضا ما سيقودنا لمتابعة الهلال أو حتى إن لزم الأمر لأن نصفق للعين وننصفه.
فبرجاء الهدوء .. دعونا نشاهد فصلاً مهماً من فصول رؤيتنا للهلال وروايتنا لعشاقه.