ما هكذا كان أبوك يا فاطمة
أعرف الفنان الراحل فهد بن سعيد جيدًا.. عليه رحمة وغفران ورضوان، وأسكنه المولى جلت قدرته أعالي الجنان.. لا أعرفه شخصيًّا ولكنني أعرفه فنانًا طربيًّا كان يمثل وجهًا بارزًا ومهمًّا بين تشكيلة الفن الشعبي في منطقة الخليج.. بالطبع لم يرتقِ بالنسبة لمزاجي وذائقتي إلى مستوى بشير حمد شنان الذي سيظل ظاهرة متفردة يصعب اختصارها أو تناولها على عجل، بعد أن استسقى وتزود من ألحانه وإرثه الكبير عشرات المشاهير طوال السنوات الثلاثين الأخيرة وما زالوا..
في الأشهر القليلة الماضية، ظهرت فاطمة بنت فهد بن سعيد على أكثر من واجهة إعلامية تحكي عن والدها، وهذا من حقها وراحتها ولا أحد يؤاخذها أو يمكنه ملامتها؛ فكل فتاة بأبيها معجبة.. لولا أنها تجاوزت الحقائق وراحت تعبث بالواقع بدافع الطفولة والحب والشوق لرجل ذهب ولن يعود.. أعرف وألمس وربما أستشعر مدى تعلقها بوالدها الذي لم تهنأ بصحبته وبقائه حيًّا يرزق، وربما هذا يجعلني أكثر حذرًا في أن أقول لها ما كان أبوك يا فاطمة كما تقولين.. في صحيفة الرياض بوست الإلكترونية نشر لها قبل قرابة الأربعة أشهر مقال حانٍ عن والدها ذكرت فيه بما معناه أنه مجدد موسيقي يحسب له ابتكار فني لم يسبقه إليه أحد من العالمين، وخاضت في دهاليز وتفاصيل الأوتار وتراكيب آلة العود، دون دراية وفهم ومعرفة مستندة فقط إلى عاطفة عائلية جياشة.. والذي لديه علم من أهل الفنون وعاش تلك الحقبة يعرف تمامًا أن فهد بن سعيد ما كان موسيقيًّا لامعًا أو مهتمًّا بالتفاصيل الترانمية ـ إن صح التعبير ـ بقدر ما كان هاويًا بعمق للسهر والغناء والحفلات؛ فالكلام عنه وكأنه بليغ حمدي أو حتى عبدالرب إدريس إنما هو من باب تعظيم أعمال الموتى الذي نجيده كثيرًا.. ثم عادت مؤخرًا وروت حكاية الأغنية الأشهر في تاريخ فهد بن سعيد “خلاص من حبكم يا زين عزلنا”.. وألصقت عليها قصة لا أعرف مدى مصداقيتها أو واقعيتها، على اعتبار والدها هو كاتب كلمات الأغنية التي تعد واحدة من أهم وأبرز أعمال وإنتاج الفن الشعبي على الإطلاق، لكن الذي كتب الكلمات معروف بأنه الشاعر الراحل محمد سعد الجنوبي، أما الخلاف الكبير الذي صاحب هذه الأغنية ليس هوية الشاعر، بل الملحن؛ فكثيرون نسبوها لأسماء عديدة، بينما ملحنها الحقيقي هو عبدالله السلوم..
يستحق فهد بن سعيد أن يٌفخر به.. لا أنسى أبدًا لهفتي وتشوقي واندفاعي لقراءة حوار أجرته معه صحيفة الرياض بعد اعتزاله مطلع التسعينيات، وكيف اختار حياة الكفاف وعمل حارسًا لمدرسة ابتدائية وترك الفن في عز شهرته ونجاحاته، متجاهلاً توق وتشوق الناس إليه وإلى أغانيه، ومفضلاً دربًا أراد أن تكون عليه النهاية والختام.. كان يقول إنه لا يريد أن يلقى وجه ربه وهو في عداد وجوقة المغنين والمطربين.. افتخري يا فاطمة بأبيك ما شئتِ؛ ففيه ما يستحق الفخر كما قلت لك، لكن ليس بطريقتك هذه..!!