القراءة
فعل سرّي!
ـ القراءة فعل سرّي!. مثلها مثل الحب!. مهما تحدّثت عنه فإنك تتحدّث من خارجه!. الحديث من داخل الحب لا يكون إلا فيه!، وهو لا يكون فيه طالما أنّ هناك آخر غير المحبوب يهمك أمره وتتوجّه له بالكلام!.
ـ الحديث عن الحب غير الحديث فيه!. حين يتحدث عاشق عن معشوقته أو عن حالة عشقه فإنه يفعل ذلك بدافع وبتأثير من الحب.. نعم، لكنه لا يتحدث من داخل التجربة، إذ لا يُمكنه ذلك!.
ـ يتحدث من خارجها!، يصف ويعبّر ويستعيد، استعادة شاعر عبر إلقائه لقصيدته، ولو للمرة المليون، للحظات الانتشاء بها أثناء كتابتها!. كلما حاول أكثر كلما فشل أكثر!.
ـ لذلك، كثيرًا ما تتكرر المقولة المنزلقة على آهة ملساء حرّاقة: "مهما قلت لك فلن أقدر على وصف مشاعري.. الكلمات عاجزة"!.
ـ الحقيقة أن الكلمات عاجزة فعلًا، لكن لسبب آخر مختلف عن عدم القدرة على التعبير. الكلمات عاجزة، وستظل كذلك، لأنها ليست في التجربة، ولكنها عن التجربة!. وبذلك هي في تجربة أخرى غير تجربة الحب!. على الأقل، وفي أفضل الحالات، هي في تجربة حب آخر، وليس الحب الذي تتحدث عنه!.
ـ وكذلك القراءة!. وأي حديث، وكل حديث، عن القراءة، عاجز أيضًا، لأنه حديث "عن" وليس حديث "في"!.
ـ القراءة، مثل الحب، فعل سرّي!. الجهر به يعني إما الفشل في استعادة النشوة الأولى كما هي، أو التبختر الفارغ، المريض، لإنسان يزعم كاذبًا أنه "دونجوان" عصره!. وكل "دونجوان" كاذب إما في تجربته من الأساس أو في الحديث عنها!.
ـ ربما كان هذا الكاذب المريض نفسيًا هو الوحيد القادر على نقل التجربة، بل وعلى الشعور بنشوة أعلى، أو نشوة وحيدة حتى، من خلال حديثه عن التجربة لا من خلال التجربة ذاتها!.
ـ حين نتحدّث عن الكتب، وعن قراءة الكتب، فإننا لا ننقل من تجربة القراءة أكثر من سطحها، من قشرتها الأولى، وتظل حتى هذه المقدرة على نقل السطح والقشرة غير مضمونة الصدق وغالبًا ما تكون أقل وفاءً ممّا كنّا نأمل!.
ـ القراءة فعل سرّي للغاية، لا يمكن البوح به حتى للموهوب في البوح والفضح والنميمة!. ذلك لأن نقل أي تجربة يختلف عن العيش فيها!. اقرأ أو اعشق وستعرف ذلك!.