ضرورة المصطلح!
ـ لا حوار يمكن التعويل عليه ما لم تكن هناك مرجعيّة متفّق عليها لشيء أو أشياء محدّدة، والاتفاق على شيء يعني الاتفاق على معناه. كثير من الهذر والهدر يحصلان نتيجة عدم وضوح الجذر الذي ننطلق منه وليس بالضرورة نتيجة المعاندة والكِبْر!.
ـ قد نتحدث عن الحب أو الفن أو الحرية أو حتى الوطنية فنظن أننا نختلف حول كل منها. المخيّب للآمال ليس الاختلاف بحد ذاته، لكنه في عدم تنبّهنا إلى أن مصدر هذا الاختلاف، الذي قد يتطوّر إلى خلاف، إنما هو في عدم اتفاقنا من الأصل على معانٍ محدّدة لكل هذه الأمور التي تحدّثنا فيها وعنها وحولها!.
ـ حين نقول إننا نتحدث "حول" أمر ما، فإنّ أول درجات الجدّيّة والالتزام، هي معرفتنا المتفق عليها لمعنى هذا الأمر. معنى الشيء يحدّده، مكانيًّا وزمانيًّا، على الأقل يفعل ذلك على نحو مقبول يمكن البدء منه. غياب التحديد يعني أول ما يعني أن كلمة "حَوْل" هذه، تُرمَى بمجّانية أوهام متسيّبة لا علاقة لها بأي مسؤوليّة من أي نوع!. إذ كيف يمكن لنا معرفة ما إذا كنا نتحدث "في" أو "حَوْل" موضوع ما، ما لم نكن قادرين على الإشارة إليه وأن تكون إشارتنا بذات الاتجاه لنفس الموضع!.
ـ حين نقول كلمة "أدب" على سبيل المثال، فإنه يمكن لهذه الكلمة الدخول في معنيين، الأدب بمعناه الاجتماعي التربوي الأخلاقي، والأدب بمعناه الفنّي!. الكلمة دخلت في مصطلحين!، وعلينا تحديد أي مصطلح يقود حديثنا، خاصةً حين تبدو لنا ملامح الالتباس ولو من بعيد!. ما لم نفعل ذلك سيكون الحوار خلطة ضجيج ومسخرة عبيطة!.
ـ لا موضوع دون موضع!. ولقد عايشت وتابعت وجرّبت حوارات كثيرة، لم تكن موفّقة لهذا السبب تحديدًا. طاشت سهامها فلم تُصِب هدفًا، وانتهت بتمسّك كل طرف برأيه، خوفًا من الهزيمة ورغبة في الانتصار، مع أن الحوار نفسه لا هزيمة ولا انتصار لطرف على طرف، لكن أصحابه لم يتفقوا على معنى محدّد لمفهوم الحوار نفسه، دعك من عدم اتفاقهم على المعاني الأساسية لموضوع الحوار نفسه!.
ـ يظنّ واحدنا أن مفهومه للأمر صحيح وحتمي ونهائي، وأنه واضح أيضًا، وضوحًا لا يتطلّب توطئةً أو شرحًا من أي نوع للمسمّيات، متناسيًا أو متجاهلًا، أن للآخر مفاهيمه التي يظن بها وتجاهها الظن نفسه!. ما إن ينطلق الحديث وما إن يبدأ الحوار من هنا، حتى يكتشف المتابع بعد خطوتين أو أقل، أنّ كل واحدٍ من المتحاوِرِين يهيم في وديان لا علاقة لصاحبه بها!.
ـ أحوج ما نكون إليه يا أحبة: تحديد المصطلح!. والمصطلح نفسه يعني الاتفاق على المُسمّى ودلالته!.
ـ بدءًا من "سلفيّة" ولا انتهاءً بـ"نسويّة"، مرورًا بما شئت: "ليبرالية"، "علمانية"، "معايشة"، "قبول"، وأشياء عديدة أخرى، كان يمكن لنا، وما زال يمكن لنا، الانتهاء منها شكلًا وإشكاليةً، والانطلاق نحو ما هو أبعد آفاقًا، فيما لو تم الاتفاق على المعنى والمفهوم والدلالة!.