المتلازمة الصفراء
قبل سنوات كان لدي طالب من أفضل الطلاب خلقًا وأدبًا وتعاملاً مع الجميع، فقد كان نشيطًا يتمتع بحيوية عالية ومحفزة، فسعيت لتعزيز هذه الجوانب في شخصيته بتكليفه بأعمال لا صفية مكافأة له على تميزه..
لم أستغرب سلوك الطالب بعد أن علمت أن والده “أستاذ جامعي”، وأنه من مخرجات منزل علم وخلق..
في يوم من الأيام كانت المفاجأة العظيمة بل الطامة الكبرى عندما حضر “ولي أمر الطالب” لمجلس الآباء، وبعد أن استفسر عن مستوى ابنه، وبعد أن سمع ما يفخر به الأب عن ولده، جنح الوالد لموضوع رياضي بشكل غريب ومفاجئ، حينما حاول يبرر سبب ارتداء ولده قميص فريق كروي وأنه من باب التنوّع فقط وبتأثير خاله عليه، وإلا فإنه يعشق النادي المنافس..
وقفت صامتًا لم أستطع أن أنطق بكلمة لعلمي بأنه يكذب ويعلم بأنني أعلم بأنه يكذب..
تساءلت بيني وبين نفسي لم يكذب رجل بهذه المكانة العلمية والاجتماعية وحتى الأخلاقية، وتأكدت حينها من القاعدة الرياضية التي يقتنع بها جل أهل الساحة الرياضية والمسماة بـ”المتلازمة الصفراء”، والمختصة بنسق فكري وعاطفي ملازم للثقافة النصراوية، وهي باختصار تتنافى مع قدرات الأشخاص حتى إن كانت في المستوى الأول في أغلب مناحي الحياة، لكنها تختفي وتتلاشى عندما يتعلق الأمر بالنصر الفريق، وقد يصبح العالم والطبيب والمهندس بنفس فكر “ساقط خامس” في مثل هذه الحالات، فتختلف معايير الحكم على الأشياء وتدخل في التضاد والتعارض والتناقض دون أن يشعروا بذلك وهذه “أم الكوارث”..
تخيلوا أن مبلغًا ماليًّا يحتاج للتدقيق عند الجار يصبح قضية القضايا، رغم أنه إجراء مالي سليم يحدث عند الجميع حتى خارج الرياضة، مقابل أن الكوارث المالية والفعلية من إصدار شيكات دون رصيد ونشر أخبار غير صحيحة والهدر المالي والتعاقد بالآحل والشكاوى التي وصلت للجهات الدولية واستمرار هذه التجاوزات في أغلب مراحل العمل وفي جل الإدارات، ولعل آخرها ما تدخلت فيه وزارة الرياضة وحلّت الإدارة.. كل هذه الأمور تعتبر عادية وأحيانًا من المسلمات..
هم وفق “متلازمة النصر” متشابهون، فالعالم مثل الجاهل والكبير مثل الصغير والراشد مثل نقيضه، ووصلت لديهم درجة التشابه بأن شخصًا واحدًا منهم يكفي عن البقية..
الهاء الرابعة
قتل أمرئ في غابة
جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمن
مسألة فيها نظر