2021-04-10 | 23:42 مقالات

نادي الصحوة

مشاركة الخبر      

مع الأعداد المُتخرّجة نهاية الستينيات الميلادية وانخراطها في سلك التعليم ومع نشوء مدارس للبنين والبنات تغيّر وجه “رويضة العرض” المُبتعدة عن العاصمة الرياض نحو 250 كيلو مترًا مُربّعًا في اتجاه الغرب.
أتى المُدرّسون بالكتاب والسينما والجريدة والمسرح والحصان الخشبي. مارس الصبية الألعاب وتوسّعت مداركهم إلى أبعد من لعب في الوادي وركض خلف الطيور. أصبحت القرية النجدية الوادعة أكبر من مساحتها بكثير وأتى إليها المصري والسوداني والفلسطيني والسديراوي والحجازي وتكوّن نسيج التناغم. كان يوم الأربعاء أثناء الموسم الدراسي يومًا عظيمًا في “ الديرة” تتوقف فيه الحصص مبكرًا ويبدأ الجميع في الاحتفال وتنطلق مسابقات كُرة الطائرة والجمباز وتتحوّل المباني الطينية إلى ساحة مهرجان. كان كُل شيء يؤدي إلى الابتهاج.
وفي رحلة البهجة تشكّلت كُرة القدم وأنشأ الأهالي ملعبًا وارتفعت وتيرة الشغف ووصل “التلفزيون” للرويضة وشاهد الصغار والكبار “أم كلثوم” و” فيروز” والنصر والهلال وأصبحت السيارات تحمل الشباب وفي الصوت موسيقى من “كاترج” لسلامة العبد الله ومحمد عبده وطلال مدّاح.
وأمام النمو وارتفاع المُشاركة الشعبية التفتت “رئاسة الشباب” لما يحدث في البلدة وقررت أن تزورها فبادر الناس لتجهيز مقر يحتوي على مكتبة وصالة ألعاب رياضية وخشبة للتمثيل والغناء وباحة لعرض الأفلام وأقيمت ليالي السمر احتفاءً بمندوب الرئاسة وطمعًا في أن يمنح القرية ناديًا يغلق كل الأبواب أمام “المتربّصين”. لكنّ ذلك لم يتم.
طالت مداولات “رعاية الشباب” ودخل الملف صندوق “البيروقراطية” وزادت هجمات أفراد “الصحوة” على المقر الأوّل ثم الثاني إلى أن أتت ليلة صيفية نهاية الثمانينيات الميلادية حيث أُحرِقت فيها مكتبة النادي في موقعه الثالث وقُطّعت أسلاك الكهرباء وكُسّر المسرح والآلات الوترية ومُزّقت كل الدفاتر والأوراق وبطاقات الممارسين وهُدّم كل شيء وبات المبنى خرابًا.
تولّد الإحباط وخفت الأمل. غاب اليافعون من المحيط الرياضي والنشاط البدني واختطفهم “الكاسيت” ثم بدأت الأنوار تنطفئ ليلًا ويعلو صوت “الجهاد” إلى أفغانستان. بهتت ليالي الرويضة واستوطن الخوف الأرجاء إلاّ من قوّة بقاء.
أكثر من أربعين عامًا مرّت، تبدّلت معها الأحداث والسنون ورحل “الصحوي” مع جريان أنهار الوعي وبقي ابن الرويضة في القتال الفكري من أجل نادٍ. الحدائق الآن تميّز البلدة من واجهتها وفي الخلف منها ملعب بعيد لا رسمية له ولا مسرح فيه ولا مكتبة.