2021-07-27 | 20:38 مقالات

«أم النشمي»

مشاركة الخبر      

في الألعاب الأولمبية، التي تقام كل أربع سنوات، لا تقام منافسات رياضية، بل هي أكبر من ذلك بكثير، فهي مجمع ضخم تحضر فيه أمم الأرض وشعوبها لعرض ثقافتها والتعريف بأنفسها أمام الآخرين، وأكاد أجزم بأن الغالبية منا لا يعرف جزيرة اسمها “برمودا”، مع أننا نعرف الاسم من خلال المثلث المرعب.
ومن هذه الجزيرة الصغيرة، التي لا يتجاوز عدد سكانها السبعين ألف نسمة ـ نستطيع أن نعزمهم كلهم في درة الملاعب ـ خرجت سيدة تدعى “دافي” وحققت لوطنها ميدالية ذهبية في لعبة غريبة تسمى “الترايثلون”، وهي خليط من رياضات مختلفة، كركوب الدراجات والجري والسباحة، وهذه البطلة لا تملك مدربًا ولا إمكانات مادية، لكنها تملك الأغلى، وهي الرغبة والطموح.
الأولمبياد نموذج مصغّر عن العالم، وفيه تظهر ثقافات الشعوب، وتحديدًا الرياضية منها، والمتطوّر في هذا الجانب يظهر نفسه بسخاء، لذا تجد أعظم دولتين حاليًا الولايات المتحدة الأمريكية والصين، هما المتصدرتان للألعاب الأولمبية منذ فترة طويلة، وحتى تصنع أبطالًا في كل الألعاب تحتاج لثقافة شعب يمارس الرياضة بشكل يومي، وتكون من ضمن برامج حياتهم، وأسر تبحث في قدرات أولادها منذ سن مبكرة، كما عملت “أم النشمي” ومؤسسات حكومية وأهلية تبحث عن الموهوبين وتطور قدراتهم، في حين أن الحالات الفردية تأتي بالمنجزات، لكنها لا تستديم من خلالها كما حدث مع “أم النشمي” صالح الشرياتي، الذي حقق لبلاده الأردن ثاني ميدالية أولمبية في تاريخها، وفي لعبة التايكوندو أيضًا بعد ذهبية سابقة.
فحينما كان صغيرًا كان مشاكسًا ومشاغبًا، كثير الحركة والنشاط، فقامت والدته ـ حفظها الله ـ بإدخاله ناديًا رياضيًا لألعاب الدفاع عن النفس، سعيًا للتخلص من شقاوته، ولم يدر بخلدها أنها بهذا التصرّف تصنع مجدًا لفلذة كبدها ولبلده.
وكم كانت فرحة عائلته عظيمة، وتمثل في تفاصيلها كل عائلة ساندت ووقفت، وقد بلغ أصوات شقيقاته ياسمين ورنا وشذى الآفاق فرحًا بالمنجز العظيم.
من يريد أن يظهر نفسه مع شعوب الأرض في المجال الرياضي تحديدًا، فعليه أن يزرع الرياضة كثقافة عامة، ثم يجعل من المؤسسات الراعية للمواهب، كما تعمل أمريكا والصين، أو على الأقل يبحث عن “أم النشمي” حتى وإن كان هدفها التخلص من إزعاجه البريء.

الهاء الرابعة
‏ولقد تضلَّع كاهلي بهواهمُ
‏فمتى ترى عبءَ الهوى مطروحا
‏قد أحزنوكَ بحزن يعقوبٍ فهل
‏من ريحِ يوسفَ أنشقوكَ الريحا.