مؤتمر
يا صحافة
الصحافة في مجملها مهنة الكلام.. والذين يريدون شجبها وتوضيعها وتصغيرها يقولون في معارض أقوالهم عنها “كلام جرايد”.. لولا أن كلامها حتى وإن تناوله الساخرون بشيء من الاستنقاص إلا أنه يبقى كلامًا تحفه المسؤولية والأهمية ومخاطبة العقلاء..
الصحافة تعيش أزمة حقيقية خانقة منذ أعوام وعلى كافة المستويات الإقليمية والدولية.. أقصد أزمة في بنيتها الاقتصادية التي أصبحت تهدد أساسيات وجودها وبقاءها حية ترزق على وجه الأرض.. كمهنة حيوية لا يمكن أبدًا تناول إمكانية أفولها أو نهايتها.. هذه مهنة مرتبطة بالحضارة البشرية وأسهمت كثيرًا في تطور الإنسانية.. هنا كلام طويل يبعدني كثيرًا عن الوصول للنقطة التي أريد الانطلاق منها أو على أقل تقدير الدوران حولها.. طالما أنها فعلًا تواجه خطرًا ماليًا واضحًا بدأ منذ أعوام ينهش بكيانات صحفية عملاقة ويتهدد قدرتها على الثبات والاستمرار بالحد الأدنى من البقاء كوجهات وظيفية مناسبة ولائقة فضلًا عن استعدادها الراسخ والآمن للوفاء بمتطلبات المنتسبين إليها أو دفع مسيرتها إلى التقدم ومجاراة التغيرات المزاجية التي غيّرت قواعد اللعبة تمامًا..
وطالما أن الكلام والاجتماعات والمؤتمرات هي أبرز ألاعيبها وبضاعتها المزجاة على عتباتها التاريخية لما لا ترفع أي واحدة من المؤسسات الصحافية العربية العملاقة صوتها عاليًا وتدعو لعقد مؤتمر يضم أهم وأبرز وجوه المهنة الصامدة وأكبر دور النشر من المحيط إلى الخليج لتبحث على مدار أيام قلائل وتدرس الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع المرعب الذي وصل إلى منزلقات الانحدار حتى بات وضع الصحافة مثل إحدى طائرات البوينج العملاقة وهي تستنجد برادارات المتابعة في أقرب مطار قبل السقوط على أطراف المحيط..
لا أوجه هنا دعوات لكنني أتساءل فقط، لمَ كل هذا البرود وكأنهم ارتضوا بالهزيمة وتركوا رحلة الموت تواجه مصيرها محملين أمزجة الجيل الجديد العلة كاملة وراء مقاطعة لا تبدو علامات أي مصالحة بادية في آخر النفق المظلم..
تملك كبريات الصحف في الوطن العربي مراكز دراسات وأبحاث متطورة، ورغم تقديم هذه المراكز طوال الخمسين عامًا الماضية نتائج لرؤى اقتصادية وسياسية واجتماعية أخذت بعين الاعتبار من جهات اعتبارية إلا أنها وقفت تتفرج وتترقب إعصارًا قادمًا بلا رحمة سيعصف بكل جذورها وأصولها وثرواتها..
أين تتجه الصحافة؟ وكيف يمكن إنقاذ اقتصادها وماذا يخبئ لها المستقبل.. وهل يمكن لها العودة بقوة إلى فرض نفسها على اهتمامات الجيل الجديد.. وما هو مصير الصحافيين والعاملين في المهنة إذا استمرت أجواء التراجع في كل عام؟!
أسئلة متواترة ومتوترة على طريق شائك.. الإجابات بالطبع لا تنتظر المنظرين فقط، ولكنها تحلم بكلمة سواء تصدر من المتخصصين والمهتمين والباحثين حتى ينجلي الغمام وتتضح الصورة القاتمة.. هل هناك أحد سيفعلها؟.. أتمنى.