الصدمة الافتراضية!
لا شيء يعدل أن نضع الأمور في مواضعها، وألَّا نكيل في الميزان. نقيِّم الشيء بحسب حجمه الحقيقي كما هو دون زيادة، أو نقصان.
في كثير من سلوكياتنا الرياضية، لا مكان للقسط بالميزان! تقودنا عواطفنا، دون أن نجعل للعقل موطنًا.
من أخطر الأمور التي أضرَّت بالرياضة السعودية في السنوات الأخيرة كيفية تعاطينا مع المحترفين الأجانب الجدد لحظة التوقيع على العقد، خاصةً في الأندية الجماهيرية، حيث نبالغ في الفرحة لدرجة الجنون حتى نقهر خصوم نادينا.
في فترة مضت، كانت هذه المناوشات تتمُّ بين الجماهير، فكل مشجع “يطقطق” على جماهير الأندية المنافسة، لكن في الفترة الأخيرة، انحرفت المراكز الإعلامية في الأندية إلى هذه الطرق المنحدرة، وصبَّت الزيت على النار من خلال نشر مقاطع فيديو، تضخِّم فيها المحترف الجديد، وكأن لا أحد مثله ركل كرة القدم، لا من قبل ولا من بعد.
دون أن نشعر، تصرفاتنا المُبالغ فيها، تقود المحترف الأجنبي الجديد إلى “الصدمة الافتراضية”! من شخص عادي في مواقع التواصل الاجتماعي، لا تفاعل يذكر معه، إلى نجم شباك بالملايين، يشاهدون مقاطعه مع ريتويت بالآلاف! “تبغى تعرف” كيف نبالغ في تضخيم المحترفين الجدد؟
“خد لك لفة” على حسابه في “تويتر”، واختر ما شئت من تغريداته قبل التوقيع للنادي السعودي الجماهيري. لن تجد مَن عمل له إعادة ريتويت إلا خالته، عمته، “ولد خاله”، أمه، أخاه الصغير، و”واحد من الجيران اللي كان ساكن في حارتهم القديمة”! “وشوف العجب” مع تغريداتهم لحظة توقيع العقد الاحترافي مع النادي السعودي الجماهيري! “يا ساتر” مشاهدات بالملايين، وريتويت بالآلاف! هل فكَّرنا في تلك اللحظة كيف كانت مشاعر المحترف الجديد؟!
من تلك اللحظة، نُدخلهم “عالمًا افتراضيًّا”، لم يكن له حيّز في حياتهم الاحترافية. كان تركيزهم على المستطيل الأخضر، وليس على مواقع التواصل الاجتماعي.
لو عملنا دراسةً سلوكيةً وتحليلًا لشخصية المحترف الأجنبي الجديد في دورينا، بالمقارنة مع نمط حياته السابق قبل الوصول إلى السعودية، سنكتشف أنه خلع جلده، ولبس ثوبًا جديدًا، وأصبح يدور في فلك مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من الدوران حول مضمار الملعب.
لا يبقى إلا أن أقول:
قبل أن نلوم اللاعب الأجنبي على ظهوره السيئ في الملعب، علينا أن نلوم أنفسنا، فنحن الذين ضخَّمناه وأخرجناه من المستطيل الأخضر إلى “عالم افتراضي”، سرق حضوره الذهني، والقصص كثيرة في ذاكرتنا الرياضية، فأكثر من لاعب ضخَّمه الجمهور و”طلع مقلب”.
هنا يتوقف نبض قلمي وألقاك بصـحيفتنا “الرياضية” وأنت كما أنت جميل بروحك وشكرًا.