ناقش المدرب..

تخيَّل أن تكون مدربًا محترفًا، ولك إنجازاتٌ وصولاتٌ وجولاتٌ، وقَدِمت للتوّ من دوري قوي جدًّا مليء بالنجوم العالميين، لخوض تجربتك في دوري روشن السعودي، الذي يشهد قفزات فنية متتابعة، وبدأ صيته يصل إلى الدول المتقدمة كرويًّا، ثم تتفاجأ من أول مباراة تخسرها، أو تتعادل فيها، أن هناك مَن يريد أن “يناقشك” في قراراتك التي اتخذتها خلال المباراة!
نعم، هناك مَن يعتقد أنه يجب أن يتم الاجتماع مع المدرب بعد كل مباراة لمساءلته حول قراراته الفنية التي اتخذها، ويعتقد أن هناك مدربين محترمين، سيوافقون على هذا المبدأ.
المدربون يسيرون وفق خطة متفق عليها مع مجالس إدارات الأندية، لها متطلباتٌ، ولها أهدافٌ، ولها تدابير تختصُّ بأكثر من سيناريو محتمل، وغالبًا ما يكون هناك اجتماعٌ فني شهري، وأحيانًا نصف شهري مع المدرب، تجمعه في لجنة فنية بغض النظر عن نتائج الفريق، سواءً كانت إيجابية أم سلبية. هذه اللجنة ترفع تقريرها إلى رئيس مجلس الإدارة، الذي بدوره يقرّر مناقشته مع مجلسه من عدمه، وبعد هذه الاجتماعات، تقدِّم اللجنة استفساراتها، واستيضاحاتها للمدرب، وبناءً على هذه التقارير، يقرِّر مجلس الإدارة الإبقاء على عقد المدرب من عدمه. أما أن يتم “مناقشة” المدرب من قِبل أي كان، بناءً على دوافع عاطفية، ومن أشخاص غالبًا لا يملكون أي خبرة فنية، فهذا أمرٌ، إن وُجِدَ سابقًا، وتقبَّله مدرب أو مدربان، فهو غير موجود أو ممكن في عصرنا الجاري.
الظروف التي يمرُّ بها الفريق ولاعبوه ومدربه، يتخللها كثيرٌ من التفاصيل التي تخفى على الجماهير والمتابعين من خارج النادي، وتؤثر دون أدنى شكٍّ في قرارات المدرب ومسيرة فريقه، وهي أمور ليس من الحكمة التحدث عنها خلال المقابلات الإعلامية والحوارات الصحفية، أو الإدلاء بها لأي طرف خارج دائرة التخصُّص.
المدرب لا يستطيع أن يفصح عن إصابات لاعبيه الذين سيخوضون المباريات على أي حال، ولا يستطيع أن يخبر الشارع الرياضي عن نيته إيقاف أحد اللاعبين وركنه على دكة الاحتياط لأسباب مهنية، أو حتى أخلاقية، ولا يستطيع شرح قضية فنية معينة تختصُّ بلاعب معيَّن للجماهير الرياضية ليرضوا عنه، ويتفهَّموا قراره.
أنت بوصفك مشجعًا أو متابعًا، لك كل الحق في تقييم المدرب، بل وجميع أعضاء النادي، وأن تعطي رأيك فيهم بكل شفافية، لكن طلبك “مناقشة” المدرب بطريقة جزافية مبنية على العاطفة أمرٌ غير وارد لدى الاتحادات والأندية المحترفة والمدربين المحترفين أيضًا، ناهيك عن أن خبرة المدرب غالبًا ما تكون أفضل من مناقشيه.