«زمزمية» الجلسات
وفيا السفارات
شاب يصيح بأعلى صوته في منزله يطلب من أهله الاستعجال في جلب “زمزميات” القهوة والشاي “المحبق”، وآخر يحبس أخواته في المطبخ ساعات طويلة لإعداد الكبسة والسلطة، وثالث أفرغ خزان المياه في منزلهم لتعبئة الماء في خزانه المؤقت، ورابع جعل المجلس الخارجي في مسكنه “على البلاط” بعد استيلائه على “الموكيت” والجلسات، وخامس تكفل بالترفيه بإحضار ورقة “البلوت”..
ما سبق كان صورة مبسطة لطلعة شباب في منتصف التسعينيات الميلادية في مدينة الرياض في منطقة قريبة من حي السفارات امتازت بالعشب الطبيعي والمرتفعات البسيطة فيها، وأنشئت كمنظر جمالي للمنطقة المحيطة بها ولم تخصص للأنشطة الترفيهية لكن الشباب جعلوها كذلك..
وفي الجلسة التي يخطط لها طيلة الأيام الخمسة السابقة لعطلة نهاية الأسبوع، تتحول إلى مشاجرة سببها “النسيان”، فصاحب القهوة والشاي نسيّ الأكواب، والمتكفل بالعشاء لم يحضر الصحون والملاعق والشطة، والمسؤول عن المياه نسيّه مفتوحًا في صندوق “الونيت” فحوّل المكان إلى بحيرة، والمستولي على ملحق منزله أخذ الجلسة وترك “البساط”، والمهتم بشؤون الترفيه، ورقة بلوته ناقصة “إكة ديمن” و”شايب السبيت”، وإن خرج أحدهم بفكرة متابعة فيلم أو مباراة بتشغيل التلفزيون المتنقل “خمسة بوصة” سرعان ما يغلقه بحجة “خلصتو بطارية سيارتي”..
“جلسات السفارات” شهدت في تلك الأعوام مكانًا للجمعات الشبابية، لكن بالطبع لم تكن مهيأة لذلك، فهي أرض فضاء كبيرة وفارغة ولا يوجد فيها أي خدمات عشب استهوى الشباب نسنسة هواه فقط..
عشت تلك الليالي بحلوها ومرها في “جلسات السفارات”، فلم يكن ما سبق من وحيّ الخيال.. وذلك الموقع الذي كان وجهتنا المحببة في التسعينيات الميلادية امتدت له أيادي التطوير والمثابرة والعمل، وصافحه الطموح، فأصبح في يومنا هذا “فيا رياض”..
“القهوة والشاهي” بدون أكواب استبدل إلى عشرات الكافيهات الفاخرة، والعشاء الخالي من الصحون أصبح مكانه مطاعم عالمية، وخزان المياه “الفارغ قسرًا” حل مكانه مشروبات باردة ومحفوظة بشكل مثالي، والبلوت الناقصة “كم ورقة”، تبدلت بالأنشطة الترفيهية، وتلفزيون البطارية “خمسة بوصة”، الآن أصبح سبع صالات سينمائية بمواصفات عالمية. الموقع هو ذاته لم يتغير ولكن الذي تغيّر هو الفكر الساعي إلى التنمية والتطوير وجعل الرياض من أوائل المدن السياحية عالميًّا وهو ما يتحقق.. فالمكان يبنيه الإنسان.. والفكر يغذيه الشغف والهمّة. فنحمدالله على نعمة هذا الوطن الغالي.