كلام
ويك إند
أصناف الفن يصعب حصرها، مثلما يصعب حصر صفات الفنانين، بعض الناس يعطي هذه الصفة لكل من لديه القدرة على رؤية ما لا تستطيع الأغلبية رؤيته، الشاعر الذي يلتقط صورة جديدة فنان، واللاعب الذي يرى ممرًا بين الإقدام وينجح في تمرير الكرة لزميله فنان، والطبيب الذي يخمن تخمينًا صحيحًا لحالة المريض منذ البداية فنان، المزارع الذي ينسق نباتاته بصورة تجذب العين وتبعث على الراحة فنان، جميعهم فنانون.
اليوم أرى أن الفن درجات، ولكل درجة قيمتها حسب تأثيرها، وأرقى الفنانين في الحياة وأكثرهم قيمة هم المتمسكون بأخلاقهم العالية والثابتون عليها، فنانون بالصبر، وفنانون بالصدق، وفنانون بالعفو، وفنانون بالنزاهة والأمانة، وفنانون بتفهم الآخرين، وفنانون بالوفاء، وفنانون بضبط النفس وتقليم شرورها، فنانون بالتواضع مهما علا شأنهم عند الناس، فنانون بالكرم مهما قست ظروفهم.
لا تكمن مشكلة النسيان في تأثيرها على ذاكرتنا عندما ننسى بعض المواعيد، أو أين وضعنا مفاتيح السيارة، وما يسببه ذلك من عصبية وفوضى، إنما تكمن مشكلة النسيان المؤثرة عندما ننسى حقيقة محدوديتنا كبشر، وعندما ننسى الأيادي التي امتدت لنا عند حاجتنا، وعندما ننسى دورنا المهم في المساهمة قدر المستطاع في تبديل الظروف الصعبة لمن حولنا لحالة أفضل. في آخر مرة تصفحت فيها الفيسبوك توقفت صدفة عند هذه القصة في صفحة دروس وعبر من طرائف وحكم العرب (أقامت إحدى المدارس رحلة ترفيهية لطلابها الصغار، وفي الطريق صادفهم نفق اعتاد سائق الباص المرور تحته، مكتوب عليه الارتفاع ثلاثة أمتار. لم يتوقف السائق لأن ارتفاع الباص كان ثلاثة أمتار أيضًا. لكن المفاجأة هذه المرة كانت كبيرة فقد احتك الباص بسقف النفق وانحشر في منتصفه، الأمر الذي أصاب الأطفال بحالة من الخوف والهلع. سائق الباص بدأ بالتساؤل: كل سنة أعبر النفق دون التعرض لأية مشكلة فماذا حدث؟ رجل من المتجمهرين أجاب: لقد تم تعبيد الطريق من جديد وبالتالي ارتفع مستوى الشارع قليلًا. حاول الرجل المساعدة بأن ربط الباص بسيارته ليسحبه للخارج، ولكن في كل مرة ينقطع الحبل بسبب قوة الاحتكاك، البعض اقترح إحضار سيارة أقوى لسحب الباص، والبعض اقترح حفر وتكسير الطبقة الإسفلتية، ووسط هذه الاقتراحات المختلفة والتي بدت صعبة وغير مجدية نزل أحد الأطفال من الباص ليقول: الحل عندي! وربما لعجزهم استمعوا إليه فقال: أعطانا الأستاذ العام الماضي درسًا وقال لنا: لا بد أن ننزع من داخلنا الكبرياء والغرور والكراهية والأنانية والطمع الذي يجعلنا ننتفخ بالغرور أمام الناس وعندها سيعود حجم روحنا ونفسنا إلى الحد الطبيعي الذي خلقنا عليه فنستطيع مالخروج من ضيق الدنيا، ولعلنا إذا طبقنا هذا الكلام على الباص ونزعنا قليلًا من الهواء من إطاراته سيبدأ بالنزول عن سقف النفق ونعبر بسلام).