كلام
ويك إند
ـ في منتصف التسعينيات استضفت وأخي الراحل سعود الدوسري أحد الفنانين المصريين الشباب، كان واحدًا من جيل التسعينيات الذي عرف بالأغاني ذات الرتم الراقص والصوت المرتفع، سألنا الفنان الشاب: لماذا كل أغانيك تشبه بعضها.. جميعها بإيقاعات راقصة ورتم موسيقي سريع وغناء بطبقات عالية؟ أجاب الفنان الذي أحببت صراحته: بصوا.. أنا أعتبر نفسي بسوق خضرة.. فيه ناس كتير.. وبياعين كتير.. لو مرفعتش صوتي وزعقت محدش حيسمعني ولا يشوفني..!
للأسف اختفى الفنان بعد سنوات قليلة، لأن استراتيجيته كانت تصلح لسوق الخضرة فعلًا.. في الوقت الذي كان يقدم نفسه فنانًا. في السوشال هناك الآلاف ممن يعتبرون السوشال ميديا سوق خضرة، والنجاح في هذا السوق يتطلب لفت الانتباه للوصول للشهرة، حتى وإن كان هذا (اللفت) قبيحًا ولا قيمة له. هم يجهلون أن السوشال ميديا مجرد (ناقل) وليست (مُجمّل)، وأن شاشة الجوالات هي مثل أي كاميرا تلفزيونية لها معاييرها الأخلاقية والفنية الثابتة.
لا أتذكر من قال المقولة التي اختزلت أن الشهرة بحد ذاتها ليست لها أي أهمية بل قد تكون مضرّة إن لم يكن لها قيمة أو نابعة من موهبة مفيدة وخيّرة، وهذا ما يتفق عليه من يرون الحياة بقيمها الأخلاقية العالية. أتذكر عندما التقيت بأحد الشعراء الغنائيين المميزين وسألته عن جديده فأجاب: ليس عندي الآن شيء مميز لأقدمه.
من إجابته تلك عرفت سبب تميزه.
ـ بعض الناس يريدون لفت الانتباه، لكنهم لا يلفتون الانتباه بميزة فيهم، بل بأي شيء حتى لو كان مزعجًا، كل غايتهم أن ينظر الناس نحوهم.
جميع الأصوات المزعجة من الدراجات النارية هي أصوات موضوعة، أي أن الدراجة النارية من الممكن ألا تكون بهذا الصوت المزعج لكن مالكها أراد أن يكون لها هذا الصوت الملفت.. ياناس شوفوني..! في أوروبا توجد حاليًا مجموعة من السيارات غريبة المنظر على الشوارع الأوروبية، يملك هذه السيارات شباب خليجيون لكن العجيب أن معظم لوحات السيارات سعودية دون أن يكون مالك السيارة سعوديًّا.
منظر السيارات غريب للدرجة الملفتة، أراد صاحب كل سيارة أن يقول شوفوني.. ما الذي لديك يا سيدي لكي تلفت النظر؟ هل تعتقد أن مرورك بالشانزيليزيه أو أمام هارودز بسيارتك القديمة أو غير المألوفة فيه بطولة؟ هل تظن أن ما تفعله فيه تميّز؟ أنت تعلم أن لا تميز فيه.. أنت تعبث لتقول: شوفوني..؟ نحن نراك.. لكننا لا نرى شيئًا أكثر من نقص تحاول أن تملأه حتى لو كان قبيحًا أو مزعجًا.