كلام
ويك إند
اليوتيوب يزدحم بالبودكاست، كلما فتحته وجدت قناة جديدة وحوارًا بين المقدم والضيف، لن أستطيع أن أحصي أعداد البودكاست الجديد لكثرتها، ولو استشارني أحد قبل أن يطلق (بودكاسته) الجديد لنصحته أن يتمهل، لأن التقليد لن يوصله إلى شيء متميز.
لست ضد كثرة البودكاست لكنني ضد أن يكون تكرارًا لمن سبق، وكأن ما سبق مقدسًا لا يجب أن تغير شيء فيه أو إضافة شيء عليه. أُخمّن أن كثرة البودكاست المُقلد لأنه بدى عملًا سهلًا، ولو فكر أحدهم بأن يعمّق تفكيره أكثر لقدم شيئًا مبهرًا ولوجد له مساحة في هذا الازدحام. البودكاست يشبه التاريخ القريب عندما ظهرت المجلات بكثرة، لكن ثلاث أو أربع مجلات كان عليها الكلام، أما البقية فكانت تقليد، وبعضه كان تقليدًا ضعيفًا جدًا، ثم جاءت مرحلة القنوات التلفزيونية التي تجاوزت 500 محطة فضائية معظمها غادر لأنها غير متميزة. لم تكن المشكلة في ورق المجلات التي أخفقت بل فيمن قرر ماذا يكتب على ورقها، ولم تكن المشكلة في شاشة القنوات التلفزيونية التي لم تنجح، بل فيمن تحكم فيما يظهر على شاشتها. المملكة مليئة بالقصص الشيقة إذا ما تم تقديمها بطريقة فنية عالية، في كل صنعة يدوية سعودية هناك قصة، وعند كل فلاح هناك مشاهد جديدة، وعند كل مطعم قديم حكايا لم تروى، وعند كل ساحل وجبل قصص تنتظر من يعيد حكايتها إلى المشاهدين الذين لا يعرفون شيئًا عنها، أو لا يعرفونها بصورة كافية. لكن تقديم مثل هذه الأفكار يحتاج الخروج من غرفة التصوير المكيّفة، وهذا الذي لم يرده الذين استصعبوا الأمر وفضلوا البقاء في منطقة البودكاست الحواري المريحة.
بعد ساعة سأقود سيارتي باتجاه البحر إن شاء الله، سأستغل هذه الإجازة لرؤيته والجلوس على رماله، كنت قد اعتذرت منه ووعدته ألّا أهجره ثانية، وتعود حكاية الهجران هذه لسنوات مضت، حينها كنت أسكن بالقرب منه، ومع كل صفائه وهديره وكل محاولاته في لفت انتباهي لم ألتفت نحوه. عندما غادرت بعيدًا عنه وبدأت أسترجع الذكريات والأماكن تذكرته، وفهمت وأنا بعيد عنه أي خطأ ارتكبته في حق نفسي، أيعقل أني لم أتمعن يومًا في جماله؟ أيعقل أن لا أعرف قيمته إلا بعد فقده؟ عندما عدت بعد ثلاث سنوات توجهت نحوه مباشرة ورميت نفسي في أحضانه، تقبل اعتذاري.. فالبحر ذو بال واسع وصبر طويل.