أوروبا.. بطولة بلا روح
في البطولة الإفريقية أو البطولة الآسيوية يمكن لما يتعارف عليه في الأوساط الكروية بالروح تسجيل حضور وتأثير وفارق.. حدث هذا كثيرًا في هاتين المنافستين.. حدث عبر التاريخ وبوضوح.. الحماس ومضاعفة الجهود والعزيمة تكون أحيانًا عند بعض المنتخبات فائقة الجودة.. بالطبع كل من على هذا الكون طبيعي أن يحب بلاده حبًا جمًا.. هذه طبيعة مشاعر البشر.. ولا خير فيمن لا يحب بلاده كما قال مصطفى صادق الرافعي.. في البطولة الأوروبية لا تبدو هذه المعادلة راجحة.. لا أقول إن الأوروبيين لا يحبون بلدانهم.. لكني أحصر القضية في القيمة الفنية العالية التي تستند عليها منتخبات القارة العجوز في التعاطي مع الفلسفة الكروية بمنظور تكتيكي أكثر من أي شيء آخر.. في آسيا وفي إفريقيا تشاهد منتخبات متواضعة في الأداء والأسلوب وكل طرق اللعب الحديثة، لكنها تعتاض عن هذه الفجوة بإشعال روح التحدي في نفوس اللاعبين.. هذا شيء يبدو نادر الحدوث في أقوى بطولة كروية تعرفها اللعبة على وجه الأرض.
عند الأوروبيين هناك ما يسمى بالالتزام التكتيكي، فاللاعب يدخل الملعب ومنوط به أداء دور تكاملي وفقًا لقدراته وحاجة الفرقة لوجوده.. حتى المنتخبات الضعيفة التي سجلت مفاجآت ووصلت إلى أبعد نقطة يمكن الوصول إليها كما فعلت اليونان عام 2004 لم تكن حكاية الروح تلك هي التي صنعت التاريخ.. مدربهم الألماني هارجيل تحدث طويلًا بعد البطولة عن الطريقة التي كلف اللاعبين بترسيخها على أرض الملعب أمام كل المنتخبات.، لم يتحدث ولا مرة واحدة عن الروح الحماسيّة أو ما يدور في أفلاكها.. تحدث فقط عن طريقة دفاعية محكمة نجحت المجموعة في ضرب كبار أوروبا بأسلحتها الواحد تلو الآخر حتى انتهى المطاف باليونان متزعمة الكرة الأوروبية في حدث نادر قد لا يتكرر.
في البطولة القائمة هذه الأيام لا تشاهد جهدًا مبالغًا يعوض الفوارق الفنية.. المنتخب التركي مثلًا لم يقدم فنيًا ما يشفع له بالوصول إلى هذه المرحلة.. نعم هناك رغبة واضحة وجادة من اللاعبين الأتراك بتقديم نتائج توصلهم إلى آخر مدى، لكنهم حتى الآن لم يقابلوا منتخبا أوروبيًا متمكنًا من التمسك بالالتزامات الفنية.. يذهب بك الحماس في أوروبا خطوات قصيرة لكن شبه مستحيل أن يفتح أمامك الآفاق.. هذا نشاهده ونعرفه في البطولة الإفريقية وفي البطولة الآسيوية.
ومرة أخرى نتلمس مزايا ترجح كفة بطولة الأوروبيين بمراحل عن سواهم.. التحكيم.. التدريب والتكنيك والطرق الفنية المحكمة وقراءة المباراة بنظرة خبيرة.. أداء مهاري عال جدًا.. حراس يصنعون الفارق.. ومن ثم غياب تام لذلك الذي يبحث عنه من لا يملك أي شيء على الملعب.. يبحثون عن حماس ما عاد له قيمة في لعبة تمشي في طرائق التحول إلى ما يشبه المعادلات الفيزيائية المعقدة.