«أعطوا الهلال الدوري وخلونا نتنافس على الثاني»
بعض المقولات الرنانة قد لا تتحقق في زمن النطق بها، لكنها من الممكن أن تكون صالحة في حقبة أخرى، فتحيّد عن الهدف لكن المعنى يبقى ثابتًا في بطن الأمير الشاعر الراحل عبد الرحمن بن سعود، الذي أطلق مقولته الشهيرة بعد الخسارة من الهلال، وكان حينها محتجًا على التحكيم: «أعطوا الهلال الدوري منذ البداية، وباقي الأندية خلوها تتنافس على كأس المركز الثاني».
الرمز النصراوي الكبير كان يلمح حينها إلى دعم خارج الملعب لغريمهم التقليدي، ورافقته مقولته في الكثير من المواقف المشابهة حتى التصق لدى بعضهم أن الهلال فريق مدعوم من قبل لجان التحكيم أو الانضباط أو الاحتراف وغيرها، وأنه الابن المدلل لدى اتحاد القدم في ذلك الزمن.
تلك المقولة وغيرها يصنفها بعضهم بأنها أمر مسلم به، وأنها حقيقة دامغة، وحتى الهلاليين فشلوا حينها في الدفاع عن أنفسهم ودرء تلك التهم عنهم، ولو كانوا وكّلوا أكبر «أفوكاتو» فلن ينجح في تبرأتهم، فمطرقة «الوهمية» ضربت على خشبة «العدالة» ونطقت بالحكم قبل سماع الشهود والدفاع.
التصاريح الحادة المحملة بالاتهامات خلّفت كراهية كبرى لدى عشاق الكثير من الأندية الأخرى ضد الهلال، وأصبح وحيدًا بين المنافسين بلا صداقات أو ودّ مع جماهير الأندية الأخرى، فعقلهم الباطن اختزل أنه نادٍ صديق للتحكيم وحبيب لاتحاد اللعبة وقريب من الحكومة وبعيد عن المنافسة الشريفة، وعزز من تلك المفاهيم الخاطئة بعض من الصحافيين الموالين للأندية الأخرى حتى أصبح الهلالي مكروهًا ومعاقبًا بذنب لم يرتكبه.
كل هؤلاء لم يطرحوا الأسئلة المناسبة في ذلك الزمن.. لماذا الهلال أفضل منا داخل الملعب؟ ولماذا يدار بعقلية إدارية راسخة رغم دورات الكرسي؟.. وذهبوا إلى اتجاه آخر فطرحوا أسئلة «غير منطقية» وبعيدة عن الحقيقة، ولو كانوا سخَّروا حينها جهدهم في استنساخ التجربة الهلالية وتعميمها على أنديتهم لكانوا في يومنا هذا يقفون شامخين أمامه ويقارعونه بدلًا من تركه وحيدًا كالمعتاد يكسبهم الواحد تلو الآخر وليست مرة بل مرات ولسنوات.
الهلال من الداخل نادٍ مختلف عن البقية، ولو لم يكن كذلك لما أصبح كابوسًا في الملعب لكل منافسيه وصنّف الفوز عليه من المستحيلات، ومن اقترب منه يعرف سر طبخته اللذيذة التي لا تفوح منها رائحة الكشنة أو تذرف الدموع من تقطيع البصل، فالعقلية الهلالية تقدم الوجبة على طبق فاخر يتلذذ بها المتذوقين من دون أن يفتحوا أبواب المطبخ لهم.
في الهلال منهج ثابت يسير عليه كل الرؤساء من حين مؤسسه الراحل عبد الرحمن بن سعيد إلى زمن إدارة الصندوق، عنوانه الكيان أولًا، ولم يكن هذا المنهج مخطوطًا أو يوزع لكل رئيس فور دخوله النادي، بل البيئة الداخلية تفرض على أي رئيس وفريق عمله الالتزام بمبدأ النجاح أولًا وآخرًا وترك المهاترات والصراعات والغوغائيات.
نعم، الآن صدق الأمير الراحل عبد الرحمن بن سعود مع بعض التغييرات، فالواقع يقول إن الهلال «فنيًّا» هو بطل الدوري قبل أن يبدأ ويفترض أن تكون هناك كأس لصاحب المركز الثاني وأخرى لمن يفوز عليه.