2025-09-07 | 22:38 مقالات

صناعة الرياضة والتناقضات

مشاركة الخبر      

سؤال بسيط للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة من أعقد الأسئلة التي يمكن أن تُطرح. قد نحتاج إلى مئات الصفحات لنجيب عنه، لأنه لا يقتصر على خزائن الأندية وحدها. المال في كرة القدم ينتشر عبر شبكة واسعة من الأطراف: شركات، جماهير، حكومات، وحتى عوالم مظلمة لا تخطر على البال.
انظر مثلًا إلى شركات الرعاية. شركة «شيفروليه» الأمريكية للسيارات ضخت ملايين الدولارات لتضع شعارها على قميص مانشستر يونايتد، أكبر نادٍ جماهيري في العالم بقاعدة جماهيرية تُقدّر بـ650 مليون مشجع. هذا الاستثمار منح الشركة قيمة تسويقية هائلة، وفتح لها أسواقًا أوسع بفضل كرة القدم.
ثم هناك شبكات التلفزيون، التي تدفع مليارات من أجل حقوق النقل. شركات الإعلان تحجز مساحاتها في كل مباراة ومواقع السوشال ميديا. اللاعبون أنفسهم أصبحوا علامات تجارية متحركة: كريستيانو رونالدو يجني من الإعلانات وحقوق الصور أكثر مما يجني من راتبه مع الأندية، وكذلك ليونيل ميسي، الذي تحوّل إلى أيقونة عالمية تسويقية.
ولا ننسى نصيب الحكومات من كعكة كرة القدم. الضرائب تكشف الصورة بوضوح: لاعبو الدوري الإنجليزي الممتاز وحدهم يضخون 891 مليون باوند سنويًا في خزينة بريطانيا. ومع إضافة ما تدفعه الأندية والمدربون والرابطة نفسها، يصل المجموع إلى 2.4 مليار باوند في الموسم الواحد. هذا المبلغ يكفي لسداد رواتب 93 ألف شرطي إنجليزي، أي ما يمثل 90 % من أفراد الشرطة في إنجلترا وويلز.
في الحلقة نفسها يدخل وكلاء اللاعبين، أو سماسرة الصفقات. الأندية الإنجليزية دفعت في موسم واحد فقط 260 مليون باوند «نحو 1.2 مليار ريال» عمولات للوسطاء الذين ينقلون اللاعبين بين الأندية.
ثم يأتي اقتصاد المراهنات الرياضية، الذي يُقدّر عالميًا بنحو 40 مليار دولار «150 مليار ريال»، وهو رقم يوازي اقتصاد دول بأكملها.
وإذا ظننت أن الصورة تقتصر على هذا الإطار الرسمي، فانتظر! هناك عوالم مظلمة تتقاطع مع المال في كرة القدم. قصص الخطف والابتزاز حاضرة بقوة.
في عام 2014، خُطف والد الأرجنتيني كارلوس تيفيز بينما كان يلعب ليوفنتوس. الخاطفون طلبوا فدية قدرها 28 ألف باوند، وقضى الأب 8 ساعات في الأسر حتى دفع أحد أفراد العائلة المبلغ.
في 2004، خطف مجهولون والدة البرازيلي روبينهو بعد انتقاله من سانتوس إلى ريال مدريد. لم يُعلن عن حجم الفدية، لكنه كان كبيرًا بما يكفي ليكشف جاذبية أموال الكرة للمجرمين.
اللاعب الهندوراسي ويلسون بالاسيوس عاش مأساة مؤلمة حين خُطف شقيقه الأصغر «إدوين» واحتُجز 14 شهرًا كاملة. لم يُفرج عنه إلا بعد دفع 125 ألف باوند.
حتى الحارس الكولومبي رينيه هيجيتا لم يسلم من هذا العالم. لم يُخطف أحد من عائلته، لكنه تورط حين طلب منه والد طفلة مخطوفة أن يتوسط لدى بارون المخدرات الشهير بابلو إسكوبار، وبالفعل، تدخل هيجيتا وأُفرج عن الطفلة، لكنه تقاضى مكافأة قدرها 50 ألفًا.
ولعل من أغرب القصص، وأكثرها تأثيرًا، قصة الأسطورة يوهان كرويف، كابتن منتخب هولندا. قبيل كأس العالم 1978، تعرض هو وزوجته لمحاولة خطف مسلّحة داخل منزلهما. عاشا لحظات رعب دفعته لاتخاذ قرار تاريخي بعدم المشاركة في المونديال، على الرغم من الضغوط وحتى طلب الملكة الهولندية شخصيًا. لم يكن الهدف فدية مالية، بل كان الهدف تجريد المنتخب الهولندي من سلاحه الأخطر. بالفعل، غاب كرويف، وفازت الأرجنتين بالبطولة، وكان الثمن ذهبًا خالصًا.
هكذا نكتشف أن كرة القدم واستخداماتها، وأنها ليست مجرد لعبة أو بطولة، بل صناعة مالية عملاقة، تتوزع عوائدها بين الأندية، الشركات، الحكومات، الوكلاء، الإعلام، وحتى المجرمين. لعبة تجمع بين المجد والشغف، لكنها أيضًا مرآة تعكس أعقد صور الاقتصاد العالمي.