|


مارادونا.. لو تعلم ماذا فاتك؟

الرياض - إبراهيم الأنصاري 2023.05.05 | 12:30 am

«أيها الأموات، إنكم لا تدرون ما فاتكم وأنتم ههنا قابعون» هكذا كتبت جماهير نابولي على جدار المقبرة الرئيسية في المدينة بعد أن قادهم الأرجنتيني الراحل دييجو مارادونا إلى التتويج بلقبي الدوري والكأس موسم 1986-1987، ولكنهم بعد أكثر من 30 عاما يحتاجون إلى الذهاب لمقبرة جاردين بيلا فيستا في ضواحي العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، حيث دفن أسطورتهم إلى جوار والديه ويكتبون على قبره «لقد فعلناها من بعدك.. لو تعلم ماذا فاتك».
في 25 نوفمبر 2020 ودع العالم النجم الأسطوري دييجو مارادونا، تلك الموهبة الخارقة التي لا تزال تشكل مصدر إلهام لجماهير المستديرة الساحرة في أرجاء العالم قاطبة ولم تحزن جماهير بقدر حزن أبناء نابولي والأرجنتين الذين خرجوا إلى الشوارع لتكريم ذكرى النجم الراحل الذي لا يزال حياً في أفئدتهم وعلى جدران مدينة نابولي.
مارادونا قصة العشق الأبدي المنقوش على جدران حوائط المدينة وفي قلوب الناس رغم مرور السنين وتباعد المسافات. ليس كلاعب كرة، بل كرمز للمدينة المهمشة وصانع انتصار لم ينسه أبناء المدينة الجنوبية بعد أن نجح فريق المدرب لوتشيانو سباليتي في تحقيق لقب الدوري الإيطالي بعد قرابة الـ 33 عاما.
مارادونا، من ترك برشلونة في العام 1982 منتقلا إلى نادي نابولي المغمور والفقير حينها حيث جعل الناس في المدينة الفقيرة تنسى همومهم المعيشية وما أكثرها، والتي تجعلهم أيضاً يسعون للتفوق على أندية الشمال التي لطالما سخرت منهم والتي لطالما كان جماهيرها وما يزالون ينظرون إليهم بفوقية تؤلمهم كثيرًا، وفقر الناس وتهميشهم يميت هممهم، وعندما اقتنص لها “مارادونا” درع الدوري من أرباب الشمال، كان هذا قمة الانتصار للفقراء.
يشرح مارادونا: «كانت أعظم لحظة في حياتي، أحرزت ألقابا إضافية، من ضمنها كأس العالم، لكن ليس في بلدي. هذا بيتي هنا».
نجح الفتى الذهبي خلال 7 أعوام في تحويل نابولي من نادٍ مغمور في إيطاليا لا يملك أي بطولة في رصيده إلى واحد من أشهر أندية كرة القدم ليس في إيطاليا وحدها، بل عالميا قبل أن يغادر المدينة في العام 1991.
لا ينس الكثير من الناس منظر الجماهير الخارجة من ملعب سان باولو سابقا ودييجو مارادونا حاليا وهي تهتف في قمة النشوة الأهزوجة الشهيرة في المدينة حينها: «أمي.. يا أمي تعرفين لماذا يدق قلبي؟ لقد رأيت “مارادونا”.. رأيت “مارادونا” أمي.. قلبي يعشقه»، تلك الأهزوجة التي أعاد رفاق الجورجي خفيشا كفاراتسخيليا والنيجيري فيكتور أوسيمين ذكرياتها بعد تتويجهم باللقب وإعادة ذكريات الأسطورة الأرجنتينية الراحل.
حتى جدران المقابر حينها لم تسلم من صخب جماهير نابولي وحبها لمارادونا، كانت هناك عبارة مشهورة تقول: «كنت أظن أني سألحق بكم قبل مجيء هذا اليوم». وهنالك عبارة أشد سخرية تقول: «أيها الأموات، إنكم لا تدرون ما فاتكم وأنتم هاهنا قابعون»، وسيكون على حراس مقبرة غاردين بيلا فيستا في بوينس آيرس التي دفن فيها معشوق جماهير نابولي مضاعفة حراساتها مجددا حتى لا تصل إليها جحافل المجانين والمتيمين بالأسطورة القادمين من الجنوب الإيطالي.
ظل لسان حال مدينة نابولي بعد رحيل معشوقها الأرجنتيني قبل عامين يردد المقولة الشهيرة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي كان أحد الملايين المتيمين بعشق الفتى الأرجنتيني مارادونا فكتب فيه قائلًا: "ماذا فعلت بالساعة، ماذا صنعت بالمواعيد؟ ماذا نفعل بعدما رحل مارادونا؟ مع منْ سنسهر، بعدما اعتدنا أن نعلِّق طمأنينة القلب، وخوفه، على قدميه المعجزتين؟ وإلى منْ نأنس ونتحمَّس بعدما أدمناه وتحوَّلنا إلى عشاق؟ ولمن سنرفع صراخ الحماسة والمتعة بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود، وأجج فينا عطش الحاجة إلى: بطل... بطل نصفق له، ندعو له بالنصر، نعلِّق له تميمة، ونخاف عليه ـ وعلى أملنا فيه ـ من الانكسار؟".
لكن كتيبة لوتشيانو سباليتي استطاعت انتشال المدينة الفقيرة من حزنها وفقدانها ملهمها وبطلها بعد أقل من 3 أعوام على رحيله حيث كان كل شي فيها يتحدث عن مارادونا، الصور والمجسمات والقمصان والتحف التذكارية، كأن روحه حاضرة هنا تحتضن المكان، لأنه كما يقول النابوليون إنه منهم، إنه المنبثق من معاناتهم، وهو الناطق باسم فقرهم وجوعهم.