الحبسي طباخ ماهر.. لم يشجع النصر يوما.. ويكره التدخين و"البلايستيشن"
بدأ من الحواري والملاعب الترابية، وبدلاً من حراسة المرمى التي تعملق فيها لاحقاً، كانت انطلاقته في خط الهجوم، قبل أن ينصحه أحد أشقائه بتغيير مركزه.
ذلك الشاب الشغوف بالكرة، أصبح لاحقاً علي الحبسي، أيقونة الرياضة العمانية.
حالياً، وبعد مسيرة أوروبية حافلة، يذود الحبسي، المولود في ولاية المضيبي شمال شرق سلطنة عمان في 30 ديسمبر 1981، عن عرين فريق الهلال السعودي.
وسر نجاحه، في رأيه، عائلته المحبّة للكرة وقوة إرادته، صاحب هذه المسيرة مر بمنعطفات عدة ترصدها "الرياضية" التي حاورته و3 من أشقائه، عبد العزيز وسلطان وحارب، إضافة إلى حسن مظفر أحد أقرب أصدقائه.
مناخ رياضي
"نحن عائلة كروية بحتة تعشق اللعبة"، هذا ما يردده عبد العزيز الحبسي، أحد أشقاء علي الأكبر منه.
ويشرح عبد العزيز قائلاً: "الوالد محب ومتابع لكرة القدم بقوة، وكان أحد المؤسسين لنادي المضيبي، أما أعمامي، الذين درسوا في مدينة العين الإماراتية، فكانوا يمارسون الكرة هناك، وبعضهم تلقى عروضاً للعب في فرق إماراتية، ونحن كأشقاء كبار لعلي كنا لاعبين أيضاً، نحن ٩ إخوة، ٧ من الأب والأم و٢ من الأب، وجميعهم مارسوا الكرة".
نشأة علي في ذلك المحيط، دفعته إلى التعلق بالكرة.
كان شقياً في الصغر، كما يوضح عبد العزيز، الذي استدرك بالقول "حينما كبُر في السن أصبح هادئاً بشكل كبير، وهو يعرف أنه قدوة وشخصية عامة"، مكملاً "ما زلت أتذكر أحد المواقف أثناء إحدى رحلات السفر، حيث قابلت عمانياً في أحد المطارات وقال لي إنه يحضّر الدكتوراة وإن علي قدوته، ووصفه بالبطل الذي يُقتدى به في الصبر والاجتهاد".
الجميع كان يلاحظ موهبة علي في صغره، كما يسرد شقيقه، الذي يقول "لعب علي مع الفريق الأول لنادي المضيبي وهو في سن الـ 17، وانضم إلى منتخب الناشئين ولعب معه مباراة وحيدة ودية انضم بعدها إلى منتخب الشباب، وفي بطولة آسيا للشباب التي استضافتها إيران عام 2000، بزغ نجمه، فانضم إلى المنتخب الأول وهو في سن الـ 20، ولا يزال حامياً لعرينه منذ ذلك الحين".
المهنة الأولى.. إطفائي
في بداية العقد الأول من الألفية الجديدة، اتخذ علي الحبسي قراراً مصيرياً في مسيرته. قدم استقالته من وظيفة فرد إطفاء في قسم خدمات السلامة بمطار مسقط، مقرراً احتراف كرة القدم.
قبل الاستقالة، كان ابن المضيبي يجمع بين الوظيفة وممارسة الكرة في بلاده. انطلق مع فريق المضيبي، وانتقل إلى النصر الذي حقق معه كأس السلطان قابوس.
عائق فراق الأسرة
لما قرر علي الحبسي الانتقال إلى أوروبا، واجه معارضة أسرية، إذ رفض أبوه وأمه تلك الخطوة، لكنه أقنعهما بالموافقة على سفره، وتعهد لهما بتحقيق نجاح يفتخران به، وتحقق وعده لاحقاً.
عن تلك الفترة العصيبة، يروي عبد العزيز الحبسي أن والدته كانت متخوفة ومترددة حيال انتقال علي إلى النرويج خاصة أنه كان صغيراً في السن.
ويضيف عبد العزيز "نحن في مجتمع محافظ، ونعيش في مدينة صغيرة، وليس من السهل أن تترك شاباً في سن 22 عاما يعيش في الغرب".
أخذ عبد العزيز وشقيقه أحمد على عاتقهما مهمة إقناع الأب والأم، وبعد ذلك مضت الأمور إيجابية.
النرويج.. المحطة الأولى
بعد الاستقالة من وظيفة فرد إطفاء، بدأت تجربة علي الحبسي الأوروبية، من محطة النرويج.
وبين عامي 2003 و2005، مثّل فريق لين النرويجي في 49 مباراة، وأسهم في وصوله إلى نهائي الكأس المحلية في 2004 واحتلال المركز الثالث في الدوري في 2005، فيما نال، على المستوى الفردي، لقب أفضل حارس مرمى في النرويج مرتين.
الرحلة الإنجليزية
بانتقاله إلى بولتون واندررز في يناير 2006، بدأت مسيرة الحارس العماني في الكرة الإنجليزية.
لكنه لم يشارك مع بولتون إلا في 18 مباراة حتى صيف 2010.
وبصيغة الإعارة، كانت الانفراجة في يوليو 2010 بالانتقال إلى ويجان أثليتيك تحت قيادة الإسباني روبيرتو مارتينيز.
تألق الحبسي في ذلك الموسم وعوض غياب الإنجلبزي كريس كيركلاند حارس ويجان المصاب آنذاك.
وبنهاية الموسم، وجد العماني 39 مباراة في رصيده في محطته الجديدة. واختير "أفضل لاعب في صفوف ويجان خلال الموسم" و"أفضل لاعب في الفريق يخوض مباريات خارج الأرض" بعد استفتاء جماهيري.
نتيجة لتألقه، تحولت إعارته إلى بيع، فوقّع عقد انضمامه إلى ويجان في صفقة بلغت قيمتها 4 ملايين جنيه إسترليني.
تواصلت مسيرته في ويجان حتى 2015، وشارك معه في أكثر من 100 مباراة.
وفي 2015، انتقل إلى ريدينج آخر محطات تألقه في الكرة الإنجليزية، ليقضي اثنين من أنجح مواسمه شارك فيهما في 78 مباراة.
وفي 16 إبريل 2016، أصبح أول حارس عربي يرتدي شارة القيادة في إنجلترا، وذلك خلال مباراة أمام ليدز يونايتد.
العودة من البوابة السعودية
يتذكر علي الحبسي، الذي نال جائزة أفضل حارس خليجي 4 مرات، بدايات الاحتراف في الكرة الخليجية.
ويقول "نظام الاحتراف لم يكن موجوداً في الخليج، وحينما طُبِّق في الدوري السعودي اعتبرت أن الفرصة كبيرة أمامي لأنني سبق وأن قلت إن عودتي من أوروبا ستكون إلى الدوري السعودي ولنادٍ مثل الهلال".
كان الأيقونة العمانية يبحث عن العودة إلى الخليج وهو في قمة عطائه.
وعن ذلك، يوضح "الموسمان اللذان سبقا انتقالي إلى الهلال كانا من الأفضل لي في مشواري الاحترافي في أوروبا، وأرى أن وجودي في الهلال جاء في الوقت المناسب، أعتقد أنني سأقدم هنا عطاءً لمواسم عدة، وكنت مصراً على التوقيع لـ 3 مواسم، ليس لموسم وحيد أو اثنين، لإدراكي أنني قادر على تقديم قمة عطاءاتي خلال المواسم الثلاثة".
لكنه لن يعتزل بعدها، إذ يكشف عن سعيه إلى الاستمرار في الملاعب حتى سن الـ 40.
وهو يختلف مع ما يصفها بثقافة الجماهير الخليجية، التي تعتقد أن بلوغ اللاعب سن الـ 35 يعني تقدمه في العمر.
وقد يكون مركزه سبباً في تلك القناعة، إذ يرى أن حارس المرمى يصل إلى قمة العطاء بعد الثلاثين.
عقده مع الهلال ينتهي في صيف 2020، لكنه يقول "أتمنى البقاء فترة أطول والاعتزال هنا"، معتبراً العزيمة وقوة الإرادة أهم أسباب نجاحه.
"حاولوا منعي"
بالعودة إلى مرحلة المفاوضات قبل الانتقال إلى العملاق السعودي، يذكر الحبسي أن ريدينج الإنجليزي حاول إثناءه عن تلك الخطوة.
ويقول "حينما تلقيت عرض الهلال وأبلغت نادي ريدينج برغبتي في الانتقال حاول مسؤولوه منعي وطلبوا استمراري، قدموا لي عرضاً جديداً يتضمن راتباً أعلى".
ويكمل "لكنني توصلت إلى قناعة وقرار نهائي بالانتقال إلى الهلال الذي يتمنى أي لاعب تمثيله، خاصة أنه نادٍ ينافس على البطولات في كل موسم، وهذا يعزز من قيمة اللاعب". وهو يشير إلى القاعدة الجماهيرية والإعلامية لفريقه الحالي، ويعتبر أنها تحمّل كل لاعب فيه مسؤولية أكبر تجعله في قمة تركيزه.
شعبية الهلال طاغية في عمان أيضاً، بحسب تعبيره، خاصة في ولاية صلالة، وذلك منذ أعوام بعيدة.
أزمة القائمة الآسيوية
استبعاد عملاق الحراسة العمانية من قائمة الهلال الآسيوية خلال 2017 ذكّره بخطواته الأولى في النرويج.
يعود الحبسي بالذاكرة إلى أيام فريق لين، ويقول "أتذكر أنني كنت على مقاعد البدلاء في أول موسم، في الموسمين التاليين شاركت أساسياً، وحزت جائزة أفضل حارس في الدوري".
ويشرح الحبسي أنه تعامل مع قرار استبعاده من القائمة الآسيوية باحترافية. ويبيّن أنه احترم قرار الأرجنتيني رامون دياز، مدرب الهلال، على الرغم من أن الوجود في دوري أبطال آسيا طموح لأي لاعب.
فرحة الأم
والدة علي الحبسي كانت أكثر الناس سعادة بانتقاله إلى الهلال، نظراً لقرب الرياض من مسقط.
هذا ما أكده عبد العزيز شقيق علي. وأوضح عبد العزيز أن والدتهما قالت لعلي عند توقيعه للفريق السعودي "خير ما سويت".
وحدث بالفعل ما توقعته الأم، حيث زار علي الأسرة مراتٍ عدة منذ أن انتقل إلى الرياض.
البيئة تراثية زراعية
علي الحبسي ابن لقرية العينين في ولاية المضيبي، التي تبعد ساعة ونصف الساعة، براً، عن مسقط عاصمة عمان.
وتقع تلك الولاية في شمال شرق السلطنة، ويصل عدد قراها إلى 90 ويسكنها 69 ألف نسمة.
ويعود تاريخ تلك المنطقة إلى آلاف الأعوام، وفق ما أظهرته حفريات ومكتشفات أثرية.
ومن أبرز معالم المضيبي قرية الفتح المعروفة بالبنايات الأثرية والقلاع. ويعشق الحبسي بيئة قريته.
ولا يزال والده يعيش هناك بعيداً عن "صخب التحضر"، بحسب تعبير عبد العزيز شقيق علي.
ويبيّن عبد العزيز أن "منزل الوالد لا يزال ملاصقاً للمزرعة، وهو البيت الذي نفتخر به وسنحتفظ به ـ إن شاء الله".
ويشير عبد العزيز إلى ارتباط علي بأجواء المزرعة، ويكشف أن "علي يقول: "إذا اعتزلت الكرة سأتجه إلى الفلاحة في المزرعة".
وقبل نحو عامين، اشترى حارس الهلال مزرعة بالقرب من مزرعة والده.
وتتميز ولايته بتمر الخلاص، لكن سكري القصيم يصل إلى أسرة الحبسي عبر الصديق حمود الربيش، فتنعقد المقارنات المازحة حول أجود أنواع التمور.
شخصية اجتماعية
لأن بيت الوالد مفتوح للجميع ومجلسه لا يخلو من الضيوف، اكتسب علي الحبسي شخصية اجتماعية.
ويشير عبد العزيز الحبسي إلى حرص علي على العلاقات الاجتماعية.
ويقول "حينما يعود إلى عمان في الإجازات يحرص على تجمع العائلة، ليس الأشقاء فقط، بل العائلة كاملة بمن فيهم الأعمام وأبناؤهم".
شخصية علي كانت محل إعجاب الإنجليزي جون بورج، الذي أسهم في اكتشافه وتقديمه إلى المنتخب العماني الأول ولم يكن أكمل العشرين عاماً بعد.
ويتذكر عبد العزيز أن بورج زار المضيبي بدعوة من علي، وبات يتردد عليها ويحضر المناسبات الاجتماعية "وفي إحدى المرات قال لنا: "الآن اكتشفت سر شخصية علي"، كما أنه حضر زواج علي وقال للوالد حينها ممازحاً: "أنا سعيد وحزين في الوقت نفسه لأنني كنت أتمنى علي لابنتي".
وفي كل خطوة يخطوها، لا ينسى علي الاستشارة.
ويقول سلطان أحد أشقائه الأصغر منه "يستشير أشقائي الكبار خاصة أحمد وعبد العزيز في كل شيء خاصة الجانب الرياضي، وحتى نحن الأشقاء الصغار يتكلم معنا في بعض خطواته، على الأقل لإبلاغنا أولاً بأول، مثل مفاوضات الهلال قبل التوقيع له".
الطواجن المغربية
بالإضافة إلى حراسة المرمى، يجيد علي الحبسي الطبخ، لذا يصفه عبد العزيز شقيقه بأنه "طباخ ماهر.. يجيد طهي الطواجن المغربية" و"يحب أكل البيت، ومن النادر أن يأكل في المطاعم".
جوانب أخرى غير معلومة كشفها عبد العزيز بقوله "علي لا يحب الجلوس مع المدخنين ويكره رائحة الدخان".
أما حارب، أحد أشقائه الأصغر منه، فيكشف أن علي ليس من هواة لعب "البلايستيشن".
الزواج.. وضغط الأسرة
بعد ضغط من الوالدة، تزوج حارس مرمى منتخب عمان في سن الـ 25.
كانت الوالدة تصر على ذلك، خاصة بعدما بات ابنها لاعباً معروفاً حوله معجبون ومعجبات، خاصة بعد كأسي الخليج وآسيا عام 2004 وإسهامهما في إبراز اللاعبين العمانيين.
ويتذكر عبد العزيز الحبسي تلك الفترة بقوله: "أخذ اللاعبون العمانيون زخماً كبيراً غير معتاد في الرياضة العمانية، فقالت الوالدة لعلي يجب أن تتزوج وبحثت له في العائلة، ليتم الزواج، الميزة أن علي استقر للغاية بعد الزواج، وهو ما ساعده بدرجة كبيرة في مسيرته، وكان زواجه متزامناً من انتقاله من النرويج إلى إنجلترا فأخذ زوجته معه".
ليس نصراوياً
أقسم عبد العزيز الحبسي أن شقيقه علي لم يكن يوماً مشجعاً لنادي النصر السعودي، على عكس ما يصوّره بعض الجماهير.
يقول عبد العزيز: "لدينا في الأسرة اثنان هلاليان بتعصب بالإضافة إليّ، واثنان نصراويان أصبحا هلاليين الآن، أخي راشد الأكبر من علي مباشرة كان هلالياً متعصباً لدرجة البكاء إذا خسر الفريق في بعض المباريات الحساسة، ولما كان علي صغيراً كان يغيظ راشد بالنصر من باب المناكفة أو المحارشة باللهجة العامية، فهو لم يشجع ولا يزال سوى المضيبي وبايرن ميونيخ الألماني ومنتخب ألمانيا، وأنا أقسم على ذلك".
ويذكر عبد العزيز أن علي كان دائماً يقول "إنه لن يجد أفضل من الهلال حتى يتخلى عن اللعب في أوروبا".
ويضيف عبد العزيز "حينما قال علي في أحد البرامج إنه يميل إلى النصر، عاتبته وقلت له لم يكن من المفترض أن تقول ذلك لأن الناس قد تصدق ذلك".
المثل الأعلى لحارب
يستلهم حارب الحبسي، لاعب فريق المضيبي العماني، من شقيقه علي الإصرار والصبر.
ويوضح بقوله "اعتدنا من علي أن يضع لنفسه أهدافاً يسعى لتحقيقها مع الصبر على ذلك، ومع إجادة اتخاذ القرارات في الأوقات المناسبة، وهذا ما يجعلنا نتعلم منه الإصرار والصبر.. ومن سماته أيضاً الإيمان بروح المجموعة".
وعلى المستوى الشخصي، يتطلع حارب إلى اللعب في الدوري السعودي على غرار شقيقه، كونه أحد أقوى الدوريات العربية ويحظى بمتابعة إعلامية كبيرة.
مظفر.. الصديق
العلاقة بين علي الحبسي وحسن مظفر، لاعب المنتخب العماني وفريق الاتفاق السعودي سابقاً، تتجاوز زمالة الملعب إلى الصداقة.
ويوضح مظفر "هو ليس زميل ملعب فقط، بل صديق، بدأنا مشوارنا سوياً مع ميلان ماتشالا المدرب التشيكي، وأعتقد أن قرب المسافة بين مدينتي، صور، ومدينته، المضيبي، كان لها دور أيضاً".
وعن صديقه، يقول لاعب الاتفاق السابق "علي هادئ خارج الملعب ولا يتعجل في اتخاذ قراراته، يمتلك روحاً مرحة، ولا يحب أن يغضب أحداً داخل أو خارج الملعب".
ويستدرك مظفر وهو يضحك "ولكن من الأشياء الغريبة فيه أنه يسولف وهو نائم في أشياء من الخيال".
وعن قرار العودة إلى الخليج عبر الهلال، يقول مظفر "علي اتخذ القرار بعد أن شاور عدداً من المقربين، وكان القرار الأخير له، انتقاله إلى السعودية أسعد الكثير من المقربين والعشاق، ولا يمكن الحكم على تجربته الحالية حتى الآن بحكم إبعاده عن قائمة آسيا العام الماضي".
مظفر يوضح أن الحبسي قبِل بقرار الإبعاد عن القائمة الآسيوية لأن احترافه في أوروبا جعله لا يستهين بالتدريبات "لكنه بعد أن حصل على الفرصة محلياً أرسل رسالة للمتابعين، مفادها أنه حاضر حتى لو كان خارج القائمة الآسيوية".