2018-05-21 | 04:48 مقالات

الله كريم يا كريم

مشاركة الخبر      

جدة أجمل مدينة في العالم.. عشت فيها ثلاث سنوات ونصف فقط كانت كافية لأقع في عشقها وغرامها.. كل شيء فيها يتوافق مع طبيعتي ومزاجي.. والناس تحب الأشياء التي تتفصل على مقاساتها.. 



مدينة ساهرة وأنا رجل يؤمن بفيروز وهي تشدو من سنين مددًا أن أصل الليل مش للنوم.. 



طقسها معتدل وحار ورطب ولا تعرف درجات حرارتها التدني والهبوط أبدًا والبرد، وأنا والأخير عدوان لدودان فشلت كل المحاولات الطبية والوصفات الشعبية عقد اتفاق سلام ومصالحة بيننا.. كبيرة وضخمة ومترامية لكنها ليست مزدحمة على الدوام، وأنا لا أحب قيادة السيارات وخاصة في الزحام.. هناك قائمة أسباب طويلة جعلتني جداوي الهوى.. وأشياء كثيرة لن تبرح خيالي وذاكرتي من هذه العروس الفاتنة.. من هذه الأشياء وجه بسيط ظللت أتدبر حياته وعمله وكيف تمضي أيامه ولياليه.. على أطراف شارع قريش يتمركز مقهى راضي هلال.. مقهى يجمع بين الشعبية والحداثة.. لا شيء يشبهه في جدة.. ظل هذا المقهى جزءًا ثابتًا من يومياتي طوال إقامتي هناك..



نزار تمر أربع وعشرين ساعة دون أن أكون بين مرتاديه وزبائنه.. إدمان الأماكن أحيانًا يرتقي لمستوى أن يصبح مرضًا مستعصيًا.. في هذا المقهى يشتغل عاملاً هنديًا اسمه كريم.. من مجيئاتي المتكررة تعمقت العلاقة معه في حدود المجاملات اللطيفة التي تجمع المتصاحبين بلا علاقة عميقة.. من الوهلة الأولى تظنه ظنًا ليس من دائرة الإثم والآثام أنه رجل يصارع أنكاد الدنيا، ولكن حينما تتدبر وتتفكر وتقدر تجده أحد الذين يعيشون على هذه البسيطة براحة بال لا تساويها كنوز الأرض.. 



يصحو كريم من نومه مع أذان الفجر ويصلي في المسجد ثم يتناول إفطاره ويبدأ دوامه والدوام لله.. يغلق المقهى أبوابه لصلاة الظهر فيصلي جماعة أيضًا ثم يعود مكملاً أداء واجبه اليومي.. ويفعل الشيء ذاته في صلاة العصر.. إذا رفع أذان المغرب انتهى عمله فصلى المغرب وتناول وجبته المسائية وانتظر صلاة العشاء فيصلي ويخلد إلى مخدعه نائمًا الليل كله تقريبًا.. والنائمون في الليل يلمسون الصحة والراحة والانشراح مع كل احترامنا للسيدة فيروز.. يقول كريم إنه متوائم جدًا مع حياته وكما يردد بلسان عربي أليغ: "كفيل كويس وراتب كويس وبزورة في الهند كويس وشغل كويس.. الحمد لله".



هذا واحد ممن يغبط على تراسيم دنياه وربما تظن أنت وأظن أنا ونغرق في غياهب ظنوننا أنه من جوقة أولئك الكادحين في أرض الله الواسعة، بينما ملامح الحقيقة لها رأي آخر لا تبدو بشاشتها ظاهرة على الوجة الخفي لهذا العالم المتوهم.. ما أكرم الله الكريم عليك وعلينا يا كريم..!!