كيف تعود المجلة؟
خسرت الصحافة التقليدية معركتها الضروس مع الخبر.. ورفعت الراية البيضاء وأعلنت الاستسلام وأقرت بالهزيمة.. الخبر المثير والصادق والمهم لم يعد ضمن أسلحتها وأجندتها وقنابلها وأدواتها.. بين حين وآخر تقدم أخبارًا حصرية، لكن المتربصين في آخر الليل وساعات الفجر الأولى من سارقي ومتلصصي وجناة الأخبار الجاهزين يفتحون أفواههم لالتهام الفريسة المجانية دون عناء ودون حياء.
ما عاد الخبر هاجسًا، وما عاد مقلقًا، وما عاد صداعًا يؤرق منام الصحافة.. ما بعد الخبر هو الرهان الرابح، وهذا وحده العامل الذي جعل المجلات تتقدم خطوات كبيرة للأمام فيما الصحف تتراجع.. التقرير والتحقيق والقصة الخبرية واللغة الساحرة والصور الخاصة والحصرية وجبات لذيذة على “مينيو” المجلات..
لا أتحدث عمّا يحدث في العالم العربي الذي سيركب إعلامه وصحافته الموجة ولو بعد حين.. في أمريكا وأوروبا تزدحم الأرفف والأكشاك والمكتبات بمئات المجلات، بينما لا تسقط عيناك سوى على جرائد ثلاث أو خمس.. الناس لم تعد تقرأ ليس لأنها لا تحب القراءة أو لم تعد تجد وقتًا لهذه القراءة.. أظن هذا افتراء ومظلمة وتجنيًا وتجاوزًا لطبيعة البشر.. لأنها لم تجد ما تقرؤه فاضطرت لهجران ومقاطعة الصحف.. التشعب في القضية يجعلك تقتحم خطوطًا متشابكة دون أن تدري.. هي دروب متقاطعة واتجاهات متعاكسة.. يصعب رؤية الصورة فيها كاملة دون تناولها كاملة..
التجزئة والاختصار يظلم القاضي والقضية.. أعود للمجلات وأقول إنها تلقى رواجًا هائلًا ومتزايدًا في عالم الغرب كونها لا تهتم بالخبر، وإنما بملحقاته وتداعياته وتفريعاته.. رحيل مايكل جاكسون مثلًا ما زال حدثًا تتزود منه المجلات بما يروي ظمأها.. أسبوع تتحدث عن أسباب جديدة ظهرت في التحقيقات لوفاته.. أسبوع عن المتواجدين في الفيلا الفاخرة أثناء انقضاض ملك الموت عليه.. أسبوع عن الملابس الأخيرة التي ارتداها قبل أن يلاقي وجه ربه.. أسبوع عن وصيته وكلماته الأخيرة.. أسبوع عن طبيبه المداوي وأسرة هذا الطبيب وأسراره..
أسبوع عن تركة مايكل وثروته وبقايا مجد بناه في مشارق الأرض ومغاربها.. وما يقال عن السيد جاكسون، يقال بالطريقة ذاتها والأسلوب ذاته عن ستيف جوبز عملاق الهواتف والأجهزة الذكية..
الرجل الذي غيّر هذا العالم والتاريخ والإنسانية.. هو ـ أيضًا صحفيًّا ـ لا يختلف عن جاكسون على أوراق المجلات التي تصبغت عند العرب وأذهانهم في فتاة جميلة ومملوحة وجذابة تسر الناظرين..
تركت المجلات العربية صورة ذهنية بائسة ومختلة في أذهان الناس.. لم ينظر إليها بشيء من الوقار والحشمة المهنية العالية التي تحف نظيراتها في الجهة الأخرى من العالم.. يمكن أن يكون هذا زمن المجلات.. وليس المطلوب اختراعًا جديدًا.. صورة رائعة، وكلمة باهرة، وتقرير خلاب، وعنوان فاتن فقط يعيد المجلة إلى الحياة أو بعض منها.. إنها عودة الابنة الضالة إلى مضارب بني العرب قبل فوات الأوان.. لعلها عودة لا تطول.