موعد مع الصحافة
صفحة عن الصحافة.. كيف يمكن تصنيفها؟ وكيف يتم تناولها؟ وبأي صيغة وأي شكل وأي أسلوب يمكن طرحها، في وقت يجمع المجمعون وتحتشد الأصوات المنفلتة، على أن هذه الصحافة أخذت شمسها بالأفول.. كأنك تتحدث عن الموتى
في أعراس العيد..
يقال إذا بدأت الصحافة تتحدث عن نفسها؛ فاعرف أنها أفلست.. سيعلو صوت متحمس ولى من وراء أطبال العازفين، ويصرخ بثقة المنتصرين: لقد أفلست صحافتك من زمان.. ماتت وما بقي لها إلا مراسم الدفن وتحديد مكان العزاء..
هذه صفحة ليست خاصة بالقراء.. لا تقرأها إذا لم تكن صحفيًّا أو على الأقل تحب الصحفيين ولست منهم.. إنها مجرد أطلال تنادي المهووسون بالورق ومقاساتها ومخلفاتها.. اتركها وسامحنا عليها إذا رأيتها مثلنا غثاء في صحراء لا يمكث فيها ما ينفع الناس.. فالدفاع عن بقاء الصحافة وديمومتها واستمرارها يبدو قضية خاسرة ومتعبة ومرهقة ومثيرة للأعصاب والاشمئزاز..
هي قدرنا ومهنتنا وعملنا ووظيفتنا، وحينما يقولون إنها أوصدت أبوابها، سنذهب إلى مكان آخر نتلمس أرزاق الرزاق الكريم..
هذا هو الجانب الأهم.. زاوية تزعج مسامعنا نحن الذين كُتِب علينا أن تكون الصحافة لقمة عيشنا وهي كره لنا.. ما سواه هي تفاصيل تكمن فيها الشياطين وتنام نومة أهل الكهف.. كل سبت سأكتب هنا عن المهنة الفانية في أعين من لا يعرفها.. سأحكي عن أهلها وأصحابها وأبنائها وفلذات أكبادها كما عرفتهم وتعرفت عليهم.. سأقلب أوراقها وعوالمها وتاريخها الممتد لأكثر من مئة عام وتزيد..
سأقول كل ما يمكن قوله عنها ولها ومن أجلها.. سأروي ما نساه الرواة وناقلو الكلام المباح.. سأتذكر الماضي وكلامًا في الماضي ليس دائمًا نقصًا في العقل كما يردد أهل البادية.. سأتنبأ بالمستقبل متحصنًا بالواقع والوقائع، ولن أقول ما قاله مالك في الخمر.. سأتذكر قبل أن تغلبنا غياهب الذكريات عنوانًا قرأته واستوقفني وجعلني أرقص من الداخل..
وعن تقرير كتبه صحفي لامع قال فيه نصف الحقيقة؛ لأن الحقيقة الكاملة لا تكتمل إلا بسيل من الإزعاج والارتباك والمخاوف..
وعن حوار أجراه صحفي صاعد ثم قلب الدنيا ولم يقعدها.. وعن تحقيق نشر على صفحة كاملة وعرفت بعده أن العالم يجب أن يتغير.. سأقول فقط ما يقال بخجل ووجل، قبل أن تصمت المطابع وللأبد.. موعدنا السبت يا رفاق..