العابد عظام زجاجية وعضلات ورقية!!
المكان: مستشفى شيكاغو للأطفال، تصرخ الأم وتتألم بصوت عالٍ لحظة ميلاد طفلها، الأطباء يعيشون الدهشة وهم يرددون:
هل هذا مولود أم قطعة قماش؟
الزمان: 1979م، الأطباء أعلنوا أنه لا أمل في الحياة، والموت بعد 24 ساعة.
في العناية المركزة، أجهزة التنفس الصناعي تحيط به، ولك أن تتخيل إنسانًا يكتب على سريره "ممنوع اللمس"، هذا الطفل النحيل غير مسموح ضمه في صدر أمه؛ لأن أي لمس لجسده يعرضه لتهشم عظامه كالزجاج؛ لأن عظامه قابلة للكسر!.
الطبيب يحضر في يده حقنة، وينصح الأم بأن تستسلم لها من أجل تجفيف حليب صدرها؛ لأن طفلها الرضيع لن يعيش، الأم تتحسس موطن الحليب بالجسد، وترفض نصيحة الطبيب وتقول له:
سأرضعه ولن يموت!.
تسلحت الأم بالأمل، ومع كل دمعة تسقط على جسد طفلها كانت بذرة الروح تنمو في جسده، تمر الأيام والأشهر ويحدث ما كانت تؤمن به الأم، الطفل يفتح عينيه ويغادر معها إلى البيت لترعاه وتهتم به، وهي تشاهده يزحف على الأرض عاجزًا عن الوقوف؛ لأن عظامه هشة وغير مكتملة النمو.
كل صباح تحت زخات مطر الصيف وتساقط ثلج الشتاء، كانت الأم تدفع الكرسي المتحرك إلى مدرسته، في رحلة كفاح لطلب العلم، تفوق دراسيًّا حتى أصبح في قاعة الجامعة؛ ليدرس تخصص العلوم السياسية، وسائل الإعلام تستضيفه ليتحدث عن قهر مصاعب الحياة، وتجاوز عقباتها لتحقيق النجاح.
كرسي متحرك يجلس عليه شاب بجسد هزيل، يقف له جميع الحضور في المسرح، ويصفقون بحرارة وهو يتسلم شهادة تخرجه من الجامعة عام 2001م، والداه يبكيان وهما يشاهدان ابنهما يعانق النجاح، الشيء الجميل أن بوابة المسرح كانت تطل على مستشفى الولادة بشيكاغو، المكان الذي أعلن فيه الأطباء أنه سيموت بعد 24 ساعة.
لا شيء يقتل الأمل في الحياة، من كان الموت يطوف حول جسده، أصبح اليوم يحمل دكتوراه في المعالجة بالتنويم المغناطيسي، خريج جامعة أمريكان باسيفيك، ويملك عيادة نفسية لعلاج المصابين باليأس ليحفزهم على النجاح.
هذه القصة الحقيقية بطلها شون ستيفنسون، مؤلف كتاب "تخلّص من ولكن"، من أهم رواد العالم في القضاء على تدمير الذات، ولد بمرض غريب يسمى "العظام الزجاجية"؛ مرض نادر، العظام غير مكتملة النمو وسهلة الكسر.
في الجانب الآخر، هناك بشر ولدوا أصحاء، لكن بسوء تصرفاتهم في الحياة، أصبحت عظامهم من زجاج وعضلاتهم من ورق، الشيء المؤلم عندما يكون داخل هذا الجسد موهبة كروية، رزق من السماء وصاحبها لا يقدر النعمة ليدمرها بدلاً من الحفاظ عليها.
المقصود هنا لاعب المنتخب السعودي والهلال نواف العابد، هذه الموهبة العظيمة التي خسرها الوطن بسبب إهمال صاحبها نفسه خارج الملعب؛ ليصبح جسده هشًّا يقضي مسيرته الاحترافية داخل غرفة العلاج الطبيعي أكثر من العشب الأخضر.
الزميلة الجميلة سارة دندراوي التي أحرص على مشاهدتها في قناة العربية ببرنامج تفاعلكم، سألت المشرف العام على المنتخب السعودي ماجد عبدالله 25 سؤالاً متنوعة، ما بين ما يتعلق بحياته الشخصية والرياضية السؤال رقم 13 نصه:
من نجم الساحة الرياضية اليوم في السعودية؟
رد ماجد عبدالله قائلاً:
والله فيه مواهب كثيرة، لكن للأسف لا تهتم بنفسها!.
سارة المشاكسة تستدرج ماجد بمهارتها الإعلامية، وتقول له:
"أوه... ما يطوروا أنفسهم... مانت حاب تقول اسم معين"؟
ماجد يخلع تحفظه ويعلنها بصراحة قائلاً:
"فيه أسامي.. وعندك مثلاً في الهلال نواف العابد لاعب مهاري وجميل جدًّا، ولكن ما هو عارف يهتم بنفسه"!.
لا يبقى إلا أن أقول:
في أكتوبر الماضي، معالي تركي آل الشيخ رئيس الهيئة العامة للرياضة، في حوار مع الزميل بتال القوس ببرنامج في المرمى، قال نصًّا:
"%99.9 من اللاعبين في المنتخب لا يحترمون عقودهم الاحترافية، ورشحت مسؤولاً أمنيًّا في المنتخب لمتابعة اللاعبين داخل وخارج المملكة، وسفرهم وانضباطهم في المعسكرات".
حلقة جديدة من مسلسل نواف العابد مع الإصابات، يحزم حقائبه قريبًا للسفر إلى فرنسا لإجراء عملية جراحية، وقبلها بداية الموسم فجع الوسط الرياضي بمنعه طبيًّا من مزاولة النشاط الرياضي؛ بسبب شعوره بخفقان في القلب بشكل غير طبيعي.
حينها علق الدكتور خالد النمر، استشاري أمراض القلب في تصريح إذاعي قائلاً:
"شعور اللاعبين بخفقان القلب أحيانًا سببه السهر والتدخين، أو التوقف عن التمارين؛ ولذلك من المهم أن يحافظ اللاعب على لياقته ويداوم على أداء التدريبات".
بعد كل هذا أريد الوصول إلى أن الأمريكي شون ستيفنسون المصاب بمرض "العظام الزجاجية"، أنه بالعزيمة حقق النجاح في حياته، ونواف العابد المعافى بدنيًّا بسبب إهماله نفسه خارج الملعب يفشل رياضيًّا، وأصبحت عظامه من زجاج وعضلاته من ورق، ليحرم نفسه والوطن من استثمار موهبة عظيمة.
قبل أن ينام طفل الـــ "هندول" يسأل:
لماذا أصبح نواف العابد محترفًا بعظام زجاجية وعضلات ورقية؟!.
هنا يتوقف نبض قلمي وألقاك بصـحيفتنا "الرياضية".. وأنت كما أنت جميل بروحك وشكرًا لك..