2013-10-30 | 07:14 مقالات

ليش منتفخ .. ياريس؟

مشاركة الخبر      

رجعت للمملكة بعد سنوات طويلة قضيتها في بلاد بعيدة لأجد الناس غير الناس والنفسيات غير النفسيات. فالناس السمحة المبتسمة التي لا تغضب انقرضت من البلد ولم يبق سوى وجوه غاضبة متجهمة تنتظر الزلة لتنقض عليك وتفترسك نفسياً ومعنوياً وربما جسدياً. اليوم غير الأمس بكل تأكيد، فلا النقاش مقبول ولا الاختلاف مقبول ولا حتى وجود الآخرين أصلا مقبول. بمجرد أن تطرح رأيك في أي موضوع يقفز من تناقشه في الهواء كالمارد صارخاً في وجهك "نيتك مهيب طيبة". دخلت في نقاشات طويلة مع أناس من جنسيات مختلفة وأديان متعددة وثقافات متنوعة، ولم أجد واحدا منهم يعتقد أنه يعرف نيتي وما في صدري، بل إنهم جميعا ـ وأنا معهم ـ على يقين أن رأي الإنسان هو انعكاس لتجربته الشخصية وتعليمه وثقافته وذكائه وأشياء أخرى متداخلة تمتزج لتنتج رؤية الإنسان لأي قضية. فالاختلاف في الرأي هو الأصل لأن كل شخص متفرد في نظرته للأمور تفرد بصمة يده. ولكن المارد الساكن في صدورنا الضيقة لايرى أبعد من وجهة نظره، ومن يتجرأ على مخالفتها فنواياه سيئة (ما يبي لها كلام). أتمنى ألا يذهب تفكيركم بعيدا وتسيئون الظن (كما هو سائد)، وتعتقدون أن خلافي مع المارد في قضية حساسة تسوغ جراءته على التنبؤ بما في صدري. ما طرحته بكل بساطة هو أن الناس أصبحت تغضب بسرعة، ولم أكد أكمل كلامي حتى قفز المارد بغضب .. تعرفون بقية القصة. ما يدور في الوسط الرياضي لا يختلف كثيرا عما يدور في بقية الزوايا. فهناك تسونامي غضب مجهول النسب والحسب والسبب. فرئيس النادي أو المدرب أو اللاعب أو حتى الإعلامي ينفجر غضباً بمجرد رؤيته للمايك. فالفائز زعلان وينتقد الحكم واللجان وأرضية الملعب والإضاءة والنقل التلفزيوني والمعلق، والخاسر "يلطم" على الهواء ويهدد بفضح الجميع والرفع للرئيس العام و(فيفا) وحقوق الإنسان والأمم المتحدة. أتفهم غضب الخاسر "فالهزيمة شينة" كما يقول المثل، ولكن غضب الفائز محير. الغضب على كل صغيرة وكبيرة يقلل من قيمة الإنسان وهيبته واحترام الناس له. هذا الظهور الغاضب على الشاشة يجعل الطفل ينظر لأبيه بعتب قائلا: "وتقول لي اعقل .. شف هذا". المشكلة أن المراسل في الملعب بعد كل مباراة (يُحرش) الضيف بحماس على الحكم وعلى اللجان وكأنه سيحصل على نسبة من الغرامات المالية على الأندية. يتهرب الضيف (المنتفخ غضباً حد الانفجار) عن النقد المباشر لأي جهة ولكن المراسل يحاصره بالأسئلة الجهنمية "وضح قصدك أكثر.. وش رأيك في الحكم؟ هل ستشتكون؟ .. حق النادي أمانة فهل ستفرطون في حقوقكم؟ أكيد تقصد لجنة الاحتراف .. خلك صريح". فعلاً لنا خصوصيتنا حتى في الغضب. ليت لنا خصوصية في الابتسام .. ليتني أجد اليوم من يبتسم ولو بسخرية.