هل احترق دور المعلم؟
لوزير التربية والتعليم الدكتور محمد الأحمد الرشيد رحمه الله دور بارز في التربية.. حتى جعل منها قضية مهمة لكل بيت وأب، ولاينسى أي مرب منتسب لوزارة التربية المقولة المشهورة التي أطلقها ووضعها شعاراً يردده كل من هو في الميدان التربوي (وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة، ووراء التربية العظيمة معلم مرب مخلص). ولهذا بوصف عملي كمشرف وقبلها معلم رأيت في مدرستي التي أعمل بها (المتقدمة الأهلية) أن أعود بالمعلم إلى دوره الحقيقي، وتحمِّله هم التربية، وأجعل منها محكاً رئيساً في النظر إلى هذا المعلم أو ذاك، أملاً في الوصول إلى الأمة العظيمة التي رمى لها الوزير غفر الله له. من هذا المنطلق تم اختيار تبني مشروعاً أسميناه المعلم المربي المخلص الأمين، ووضعنا له كتيبين أحدهما اسمه ملفي مع المعلم يحوي بيانات طلابه، والآخر باسم سجلي مع الطالب يتابع فيه نشاطاته. وتقوم فلسفة المشروع على تحديد الإطار العددي من الطلاب اللازم الاهتمام به وتقسيمهم على المعلمين والوكلاء والمرشدين، بحيث يكون لدى كل واحد منهم عدد محدد من الطلاب، يرعاهم، ويوجههم، ويربيهم ويحل مشكلاتهم من بداية العام إلى نهايته، وقد يستمر معهم في أعوام مقبلة، وقد سعينا إلى جعل برنامج المعلم المربي المخلص نقطة ارتكاز لجميع برامج ونشاطات المدرسة مما كان له عظيم الأثر في إعادة المدرسة والمعلم إلى وضعهما الطبيعي في التربية، لأنه لا أفضل ولا أحسن ولا أصدق من هذا الوصف، وهو دعوة للمعلمين، وتذكير دائم لهم بالإخلاص الذي هو أساس النجاح في ظل أن للمدارس أهدافاً تسعى لتحقيقها، وأدواراً تأمل أن تؤديها، تخرج بها عن إطار المساحة الضيقة المقتصرة على النواحي التعليمية والأكاديمية المحدودة، إلى رحابة الدور التربوي الواسع ذي الأفق الرحب، والأهداف الشاملة، والرؤى العميقة، فالدور التربوي للمدرسة لايقل أهمية عن دورها الأكاديمي، وهذا الدور التربوي للمدرسة لا يقتصر على إكساب الطالب بعض القيم والاتجاهات مثل الصدق والأمانة وحب الخير والتعاون والانتماء ..إلخ، إنما يمتد دورها إلى ما هو أرحب وأعمق، ليشكِّل ملامح شخصية طلابها، ويحافظ على هويتهم بما يحقق نوعا من التحصين الواقي، والسياج الفكري الآمن لمواجهة أي فكر دخيل أو أفكار مشوهة. ولا يختلف التربويون على أن الهدف الأساس من التعليم هو تكوين المواطن الصالح الذي لا ينفصل عن قضايا أمته، ولا ينسلخ عن هموم مجتمعه، ولا ينفلت عن قيم وتقاليد بيئته، وهذا المواطن الصالح كان لابد له من رعاية وعناية يتقاسمها كل من المدرسة والبيت، لكن ضعف الرابطة وهشاشة العلاقة بين المدرسة والبيت كان هو العائق وراء عدم تحقيق ذلك، ومن هنا جاء الاهتمام بالبرامج والأنشطة التربوية ليعول عليها كثير من التربويين مسؤولية إذابة الفواصل بين المدرسة ومجتمعها الخارجي خاصة في علاقتها بالبيت وأولياء الأمور خروجا عن الممارسات المستهلكة، والصيغ التقليدية الجامدة في توطيد هذه العلاقة.إن المعلم بالنسبة لطالبه يقوم بدور الأب والمشرف والرئيس والخبير والعالم والصديق والموجه والمعالج، وتختلف أهمية الدور الذي يقوم به المعلم وفقا لشخصيته من ناحية، والمرحلة العمرية التي يمر بها الطالب من ناحية أخرى. لكن يظل المعلم دوما هو أهم شخصية في حياة الطالب بعد والديه، وهذه الأهمية منشؤها إلى ما يتركه في نفوس طلابه من أثر، والمعلم الفاعل هو من يلحظ التغير في المستويات العلمية والسلوكية لطلابه، فيسجلها عليهم مستعينا بأولياء أمورهم في محاولة منه لعلاجها وهنا يأتي دور المعلم المربي الذي يمضي ساعات طوال مع هذا الطالب يقلب معه صفحة عقله، ويتعرف على ميوله وهمومه ورغباته، ومشكلاته، ويستطيع إن أراد تحديد مسارات كل إنسان وفق طاقاته واستعداداته، ويسير معه إلى أن يصل به إلى كماله الخاص به. فينتقل دوره من ملقن للمعارف إلى مربٍ للملكات، موجه للقدرات، معالج للمشكلات، مراعٍ للطاقات والاهتمامات، فيكون هو المعلم والمربي والمرشد، والممثل بحق لمعنى الأبوة التي طالما رددها المعلمون (نحن آباء للطلاب) بقي أن أقول بأن المشروع متاح لمن أراد الاستفادة منه وآلياته ونماذجه ومطبوعاته.. رحم الله محمد الرشيد المواطن المخلص الأمين.