أمسية ساحرة
جئتُ متأخرا .. ليست من عاداتي ولكنها الحقيقة .. أكره الأعذار وأكره التبرير .. لاعذر، أبدا، يسوغ التأخير .. فاتني كثير وكثير .. ولكني أدركت بالمقابل الكثير .. فاتني حديث الإعلامي حسين شبكشي .. قال لي من جلستُ بجانبه إنه قال كلاما مهما في الإعلام. ندمت على ما فات ولكني لم أفوت الكلام في الدين وعمل الخير .. كان كلاما لينا رقيقا .. يجعلك تنصت وتتعلم.
استمعت بشغف لوجهات النظر المختلفة في الإعلام .. فمنهم من يرى أن الإعلام رسالة .. ومنهم من يرى أن الإعلام أرهقته الرسالة. أرى أن الإعلام حُمل أكثر مما يحتمل .. فنحن نريده الموجه .. نريده المنقذ .. نريده أن يربي أولادنا بدلا عنا. لم نفكر يوما كما يفكر الإعلاميون لنعرف أننا لا يمكن أن نؤثر على الناس دون أن نجذبهم أولا. فلا تأثير بلا جاذبية. من أصر على تحويل الإعلام لكتاتيب تركه الناس يتحدث مع نفسه بصوت مرتفع.
حتى أطباء القلب كان لهم نصيب من تلك الليلة .. قالوا كلاما لا يشبه الأطباء .. لايحمل ملامحهم .. لايشبه وصفاتهم الطبية .. كان أدبا .. كان شعرا .. كان نثرا ومعه قليل من الطب .. لم يُغرقونا في التفاصيل .. بل قالوا ما نستطيع تحمله .. أعجبني أسلوبهم ومنطقهم .. قالوا حقائق محزنة عن السمنة والسكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب .. قلة الوعي هي أخطر أمراضنا .. عرفت أن الطب بخير مع تلك الأيدي الأمينة.
أما الراوي محمد الشرهان فكان ملح المجلس .. كان والدي – يرحمه اللهـ يحب طريقته في رواية القصص والقصيد .. كأنه كان يستمع معي لكل كلمة وكل حرف .. ردد الشرهان كثيرا "ما أطول عليكم" وكنت أقول في نفسي "طول وخذ راحتك". ضحكت من قلبي على قصصه وقصائده والمواقف التي حدثت له على الهواء في برنامجه الإذاعي. كان يضع يده على قلبه بين اللحظة واللحظة بعد أن سمع عن خطر تسارع نبضات القلب.
الشاعر راشد السكران كان حاضرا بقصيدة رائعة عن المغررين بشبابنا باسم الدين والجهاد. "إعلان هام" قصيدة وصفت بدقة النظام الجديد لجرائم الإرهاب وتمويله. مرة واحدة لا تكفي .. نريد سماعها مرة أخرى، ولكن هذه المرة جاءت بصوت المذيع ناصر الراجح. أضاف لها الراجح أبعادا جديدة وعمقا لم نكن لنصل إليه لولا ذلك الصوت المبحوح.
قدم الأمسية الصديق العزيز ماجد الحكير .. فكان البداية وكان النهاية .هذا ما حدث قبل يومين في إثنينية رجل الأعمال المعروف عبدالمحسن الحكير. مع أن سحر البيان كان يملأ المكان إلا أن ما سحرني دون غيره هو تبرعات الحكير السخية لكل المؤسسات الخيرية الحاضرة تلك الليلة. عمل الخير لايوازيه عمل .. المال يُظهر معادن الرجال .. لاأروع من مال في يد رجل مخلص ومحب لبلده.
شيء كنت شاهدا عليه وأعجبني .. فأحببت أن أنقله لكم عله يلقى في نفوسكم ما لقي في نفسي.