تفارقوا تصحّوا!
الإنسان كائن مُفارِق!.
يُولد الإنسان وفي ذاكرته صحبة ومنافسة وركض وحَبسٌ وفِراق والتحام جِنسيّ، حتى وإن كان ذلك في لا وعي اللا وعي ألف مرّة، هذا هو تاريخ الحيوان المنوّي، قبل أن يعرف مستقبله.
ربما لذلك يُولد الإنسان باكياً، ربما كانت حفنةً من هذا البكاء، تخص الفراق، فراقه الأول، لملايين من إخوته، وانكساره لأول حالة حبس، إذ أُغلقت عليه الدائرة!.
الحياة لا يتبعها الموت، الموت ينهيها، أتحدث عن الحياة الدنيا، هي فراق ومفارقات تتلاحق، يُفارق فيها الإنسان حتى نفسه، يتمدّد، يتجدّد، يتعدّد، يضيع أو يضوع!، لكنه مفارِق، إن لم يتغيّر بإرادته، تغيّر رغماً عنها، لذلك من الأكرم له، ولإنسانيّته، أن يتغيّر بإرادته!.
الفراق، مثل الموت، يخيف لأن ما بعده مجهول، حتى لو عرفت مفردات ما بعده، فإنك لا تعرف الحدث ولا الإحساس، لكن الفراق، فراق أي شيء، وكل شيء، مثل الموت أيضاً، حاصلٌ حاصلٌ، الغفلة الشديدة عنه خطأ، والحذر الشديد منه خطيئة!.
الجملة لا تكتمل قبل فراق العين والأذن واللسان للكلمة ثم فراق ما بعدها، أنت لا تعرف طعم القهوة قبل أن يُفارق شيء منها فنجانها، الذكريات أجمل من الواقع الذي أنتجها، لأنها فارقت هذا الواقع، الأحلام سيّدة كل موقف جماليّ، لأنها، ويا للعجب، فارقت بأثرٍ تقدّمي!، عكس الذكريات المفارقة بأثرٍ رجعيّ!، الأحلام تعيدنا إلى حركتنا الأولى، إلى حساسيّة النُّطَف!، حيث الفراق أول اللقاءات لا آخرها.
الفراق لا يعني فقط التفرّق، لكنه يعني الفريق أيضاً، وأن الضد قد يكون متمّماً، لا مُكمّماً!، مُسَلِّماً، لا مُسَقِّماً!.
لولا الفراق، ما اتضّح فرق!.
تفارقوا تصحّوا!، خاصةً إن جعلتم من الفراق فاصلةً لا نقطة!.
ويغني عبدالكريم عبدالقادر:
"خل نفتعل لفراقْ..
ونجرّح الأشواقْ..
دام الحزن واحدْ
أدري بترد تشتاقْ..
ومثلك أنا بشتاقْ..
بس لازم نعاندْ"!