2016-12-29 | 05:05 مقالات

لا يُصلحُ الإعجاب ما أفسدَ الحِبرُ!

مشاركة الخبر      

 

هذا الذي يعطيك الإشارة واضحة!، الذي يُصرّح بأنه يلمّح!، تاجر وليس فناناً، قد تكون لديه بعض الموهبة، لكنه يتاجر بها!، يكسب جماهير بانحرافه عن الجودة لصالح النجاح!، ينتقل من رسّامٍ إلى مجرّد صبّاغ!، والصبّاغ كمهنةٍ لا تُعيب، لكنها ليست فنّاً، وهي تحتاج فقط إلى دِرْبَةً ومِرَان، وليس إلى موهبةٍ وخصوبة خَيَال!.

 

قليل من الموهبة يكفي، مع كثير من الإخلاص، والعاطفة، والإيمان بما نفعل، والموهبة شبه الكاملة، لا تكفي، فيما لو أُرِيقَتْ بدجل!.

 

قليل من الدَّجل يكفي لإتلاف العمل الفنّي، خاصة إن مسّ الدَّجل روح الفنان نفسه، إن اتّجه بفهلوته على موهبته ذاتها، إن كذب على نفسه، ليتصالح مع الآخر!، لا يُصلح الإعجاب ما أفسد الحِبْرُ!.

 

الفنان الحقيقي، ليس الواثق من نفسه فقط، هو أيضاً ذلك الواثق، تمام الثقة، من براعة وموهبة المتلقّي، على الأقل: من وجود ذلك المتلقي الموازي له، والمتساوي معه، موهبةً وفِطنةً، ورفاهةً ورهافةً، ورَغَد التقاط!، الفنان يثق بوجود هذا المتلقّي، حتى لو لم يجده مجسّداً في شخص، يعرفه أو يلتقيه، ومهما كثُرَت من حوله الأصوات، والوجوه، المُشكِّكَة بوجود هذا المتلقّي، والتي تكاد لكثرتها، وبكثرتها، تُثبت له العكس، المبدع حتى وإن لم يؤمن بوجود مثل هذه النوعية من المتلقّين، فإنه يؤمن بإمكانيّة قيادة عدد من الناس إلى أن يصبحوا كذلك، لأنهم يمتلكون المهارات الكافية لذلك، ولأنه يثق فيهم، في كفاءاتهم ورغباتهم، وفي جدّيتهم الباحثة عن مَرَحٍ نزيهٍ، مُحصّن ونادر!.

 

من يؤمن بِعوَزِ المتلقّي، لا يمكنه أن يكون فنّاناً، وسيقوده إيمانه الباطل هذا إلى أن يلعب على الآخر، بينما الفن لعب في الأدوات ، في الشكل الفني، مع الآخر وليس عليه!.

 

واللعب على الآخر، في العمل الإبداعي، شديد الأذى على أهل الإبداع الحقيقي في كل جيلٍ، لأنه يشكّل على المبدع الحقيقي ضغطاً هائلاً فعلاً، فهو يُنتج عدداً كبيراً من الناس، يظن كل واحدٍ منهم، أنه مؤهل فعلاً، للقيام بدور المتلقّي القادر ليس فقط على النقد، ولا حتى الحُكم الفني والجمالي، بل أيضاً المؤمن بأحقيته لأن يكون واجب الفنان المقدّس تلبية طلباته!، حدّ أنه يشتم المبدع الذي لا يستسلم لدور "الجرسون"!.

 

"الجرسون" مهنة شريفة ومحترمة أيضاً، لكنها لا تعني فناناً أبداً!.

 

لينظر كل واحدٍ منّا لنفسه، وليشهد عليها، من كان منّا مُصفِّقاً للفنّان قبل أن يتأمل في عمله، فهو يتعامل مع "جرسون"، يناديه بالتصفيق ليطلب منه وجبة!، وكل من يحلم، أو يخضع، لمثل هذا التصفيق، لا يقوم بغير دور النّادِل "الجرسون"، حتى لو بلغ عدد جماهيره، ومتابعيه، ومعجبيه، ملايين، لا يهم، هو ليس فناناً بل "جرسون" وليست هذه الملايين جماهير بل "زبائن"!.

 

و مع الأسف الشديد، فإن شبكات التواصل الاجتماعي، تصنع شهرةً واسعةً، لعدد كبير من الناس، بعضهم بلا موهبة، وبعضهم الآخر كان موهوباً، أو لديه بعض الموهبة المفتقرة إلى الأصالة أو الصقل، فاستغنى بالطمع عن الطموح!، هذا هو النوع الخطر، لفرط دناءته، يمكنه دون حياءٍ، إضافة الاستهانة بالعمل الإبداعي المحترم إلى قائمة الطعام!