طُوبَى لمن عفّ.. طُوبٌ لمن استخفّ!
إن لقيتَ مُكثِرَ التشكيك في الناس بالوطنية صدقها، وبالعقيدة سلامتها، فاعلم أنه يستخدم الدين والوطن ولا يخدمهما!.
طُوبى لمن عَفّ!، وطوبٌ لمن استخفّ!.
أَوَ كُلّما خَالَفنا أحدٌ، من أهلنا، أنكَرْنا أهليّته؟!، أَوَ كلّما أشار أحدٌ إلى فكرةٍ، أو أثار قضيّة، أو صرّح بمشاعر عاطفيّة حتى لو تجاه فريق كرة قدم، أو فضّل مغنيّاً على آخر من بني وطنه، أو امتدح مدينة، أو نبّه إلى ما يظنه هفوةً وخطأً في مسار، ثم لم يَرُقْ ولم يَرِقّ لنا طرحه، استسهلْنا رميه بإحدى التّهمتين أو كلاهما؟! أيّ عَطَبٍ وأيّ عُفونة؟!.
ناقِش، حاوِر، اعترض، وضِّح، أَضِف، حدِّد، فَنِّد، أعلن عدم الرِّضا، افعل ما بدا لك، لكن ترفّع، واعلم أن اقترابك، مجرّد الاقتراب، مجرّد الإيماء و التلميح، بالتشكيك في وطنيّة أو عقيدة مُخالفك في الرأي و التدبّر، أمر ينطوي على دناءةٍ، وينمّ عن خِسّةٍ، أَوَ كلّما خالف كاتبٌ كاتباً، اتهمه المنصوبُ بالنّصب؟! وأوجبَ عليه ناراً أو سجناً؟!.
الذي ينسى أذيّتك له، إساءتك ونيلك منه، خطأك في حقه، قبل حتى أن يسامحك عليها، أكرم نفساً ممن يُسامحك عليها ثم بعد ذلك ينساها!، الثاني بدوره أكرم نفساً ممن يُسامحك ولكنه لا ينسى!.
الثالث أكرم نفساً ممن لا يسامحك ولا ينسى لكنه يعفّ فلا يرد لك الإساءة بمثلها!، يعفّ لكنه لا يعفو!.
الرابع أكرم نفساً ممن لا يسامحك ولا ينسى ويرد الإساءة بمثلها!.
الخامس أكرم ممن لا يسامحك ولا ينسى ويرد الإساءة بمثلها ويزيد عليها! .
وهكذا وهكذا، حتى تنسى الأوّل!.
لكن انتبه، واحذر كل الحذر، من الأول، من أكثرهم كرم نفس، وسلامة قلب، وسماحة صدر، وطيب نوايا، من ذلك الذي نسي الإساءة، والأذى، حتى أنه لم يتذكر لِيُسامِح!، ذلك لأنه بفعله هذا، ترك حقّه عند من لا ينسى، حتى لو لم يتذكّر أن له حقاً عليك أو على غيرك!، بل بالذات إن هو لم يتذكّر!.
ولسوف يجمعك به الله سبحانه وتعالى، يوم الحشر، عندها سيأخذ من حسناتك أطيبها فيما لو خفّت موازينه، ولسوف تخفّ!، فمن منّا يستحق أن تثقل موازينه إن حاسب الرب عبداً؟!.
إياك ونسيانه، إيّاك وإيّاك نسيانه في هذه الحسبة، إن لم تعتذر منه، فليس أقل من أن تدعو له، صباحَ مساءَ، وفي كل وقتٍ من كل يوم، بأن يغفر الله له وأن يعفو عنه، وأن يرزقه الجنّة دون حسابٍ، لعلّك بذلك تسلم من مطالبته بحقّه، وتكسب سماحه، عندما تلتقيان، ولسوف تلتقيان، ولسوف تلتقيان، ولسوف تلتقيان، إن لم تكن موقناً بهذا اللقاء، فمصيبتك أكبر بكثير!.